فَأَمَّا وَقْتُ الْجُمْعَةِ فَهُوَ وَقْتُ الظُّهْرِ سَوَاءً: مِنْ بَعْدِ زَوَالِ الشَّمْسِ إِلَى أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ، فَإِنْ صَلَّاهَا قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ خُطِبَ لَهَا أَوْ أُذِّنَ لَمْ يُجْزِهِ، وَأَعَادَ ذَلِكَ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَحُكِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: إِنَّ صَلَاةَ الْجُمْعَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ جَائِزَةٌ.
اسْتِدْلَالًا بِمَا رَوَاهُ إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ بن الأكوع عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُصَلِّي الْجُمْعَةَ فَيَنْصَرِفُ وَلَيْسَ لِلْحِيطَانِ فَيْءٌ.
وَالدَّلَالَةُ عَلَى مَا قُلْنَاهُ: رِوَايَةُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُصَلِّي الْجُمُعَةَ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ وَرَوَى الْمُطَلِّبُ بْنُ حَنْطَبٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يصلي الجمعة وقد فاء في الْحِيطَانِ ذِرَاعًا أَوْ أَكْثَرَ.
وَلِأَنَّهَا ظُهْرٌ مَقْصُورَةٌ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزُ فِعْلُهَا إِلَّا فِي وَقْتٍ يَجُوزُ فِيهِ فِعْلُ الْإِتْمَامِ، قِيَاسًا عَلَى صَلَاةِ السَّفَرِ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ سَلَمَةَ: فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ، لِأَنَّ الشَّمْسَ تَزُولُ فِي الصَّيْفِ بِالْحِجَازِ وَلَيْسَ لِلشَّمْسِ فِي الْحِيطَانِ ظِلٌّ، وَإِنْ كَانَ فَهُوَ شَيْءٌ يَسِيرٌ. فَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " فَإِذَا جَلَسَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ وَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُونَ " فَصَحِيحٌ، وَأَرَادَ بِهِ الْأَذَانَ الثَّانِيَ الَّذِي يَجِبُ بِهِ السَّعْيُ وَيَحْرُمُ عِنْدَهُ الْبَيْعُ، وَفِيهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذكر الله وذروا البيع} . [سورة الجمعة: 9] .
فَأَمَّا الْأَذَانُ الْأَوَّلُ فَهُوَ مُحْدَثٌ، لَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَلَا عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَاخْتُلِفَ فِي أَوَّلِ مَنْ أَحْدَثَهُ وَأَمَرَ بِهِ:
فَحُكِيَ عَنْ طَاوُسٍ الْيَمَانِيِّ وَالسَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ أَمَرَ بِهِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ كَثُرَ النَّاسُ فِي أَيَّامِهِ وَحَكَى الشَّافِعِيُّ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَمَرَ بِهِ، وَقَالَ: أَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَهُ مُعَاوِيَةُ. فَاتْرُكْهُ لَا بَأْسَ،