أَحَدُهَا: أَنَّهُ سَهْوٌ مِنْهُ فِي النَّقْلِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَنْهُ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ تَوَقَّفَ حِكَايَةً عَنْ غَيْرِهِ مِمَّنْ يَقِفُ فِي عِتْقِهِنَّ، وَمَنَعَ جَوَازَ بَيْعِهِنَّ،
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ تَوَقَّفَ اسْتِيضَاحًا بِحُكْمِ الِاجْتِهَادِ، وَإِفْسَادًا لِدَعْوَى الْإِجْمَاعِ رَدًّا عَلَى مَالِكٍ فِي ادِّعَائِهِ الْإِجْمَاعَ فِي تَحْرِيمِ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ الْإِجْمَاعَ إِجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَأَنَّ مَنْ خَالَفَهُمْ مِنْ غَيْرِهِمْ مَحْجُوجٌ لَا يَنْتَقِضُ بِهِ إِجْمَاعُهُمْ، لِأَنَّ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلَامُ اسْتَجَدَّ خِلَافَهُ فِي جَوَازِ بَيْعِهِنَّ بِالْكُوفَةِ بَعْدَ أَنْ وَافَقَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ بِالْمَدِينَةِ، فَلَمْ يَعْتَدَّ مَالِكٌ بِخِلَافِهِ بَعْدَ خُرُوجِهِ عَنْهَا، وَالشَّافِعِيُّ يُخَالِفُهُ فِيمَا يَعْتَقِدُهُ مِنَ الْإِجْمَاعِ فِي تَحْرِيمِ بَيْعِهِنَّ، وَفِيمَا يَرَاهُ مِنْ إِجْمَاعِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِيهِنَّ يَعْنِي الرَّدَّ عَلَيْهِ فِي الْأَمْرَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ فِي حُكْمِ الْعِتْقِ، وَتَحْرِيمِ الْبَيْعِ، والله أعلم.
قال المزني رضي الله عنه: (وَقَالَ فِي كِتَابِ النَّكَاحِ الْقَدِيمِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِغَيْرِ إِذْنِهَا وَقَالَ فِي هَذَا الكتاب إننا كَالْمَمْلُوكَةِ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهَا إِلَّا أَنَّهَا لَا تُبَاعُ وَفِي كِتَابِ الرَّجْعَةِ لَهُ أَنْ يَخْتَدِمَهَا وهي كارهة (قال المزني) قلت أنا: وهذا اصح قوليه لأن رقها لم يزل فكذلك ما كان له من وطئها وخدمتها وإنكاحها بغير إذنها لم يزل. وبالله التوفيق) .
قال الماوردي: أما استخدم السَّيِّدِ لَهَا وَاسْتِمْتَاعُهُ بِهَا، فَمِمَّا لَمْ يَخْتَلِفُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي جَوَازِهِ كَمَا لَمْ يَخْتَلِفْ مَذْهَبُهُ فِي عِتْقِهَا لِمَوْتِهِ وَتَحْرِيمِ بَيْعِهَا فِي حَيَاتِهِ، وَأَمَّا تَزْوِيجُهُ بِهَا، فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ مُسْتَبِيحٌ لَهَا بِالْمِلْكِ، فَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ عَلَيْهَا نِكَاحٌ كَالْأَمَةِ، وَلَكِنْ لَوْ أَعْتَقَهَا جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لِأَنَّهَا قَدْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ بِالْعِتْقِ، فَجَازَ أَنْ يَسْتَبِيحَهَا بِالنِّكَاحِ.
فَأَمَّا إِذَا أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِزَوْجٍ، فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقَاوِيلَ:
أَحَدُهَا: قَالَهُ فِي الْجَدِيدِ، وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيُّ يَجُوزُ أَنْ يتزوجها جَبْرًا، وَإِنْ لَمْ تَأْذَنْ، لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا كَمَا يَمْلِكُ اسْتِخْدَامَهَا، فَجَازَ أَنْ يَعْقِدَ عَلَى اسْتِمْتَاعِهَا بِالنِّكَاحِ، كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَعْقِدَ عَلَى اسْتِخْدَامِهَا بِالْإِجَازَةِ، وَلِأَنَّ الْمَهْرَ مِنْ كَسْبِهَا، فَلَمْ يَكُنْ لَهَا تَفْوِيتُهُ عَلَى سَيِّدِهَا كَسَائِرِ أَكْسَابِهَا.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: قَالَهُ فِي الْقَدِيمِ يَجُوزُ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِإِذْنِهَا، وَلَيْسَ لَهُ إِجْبَارُهَا، لِأَنَّ منعه من بيعها وقد أَوْهَنَ تَصَرُّفَهُ فِيهَا، فَمُنِعَ مِنَ الْإِجْبَارِ لِضَعْفِ تَصَرُّفِهِ فِيهَا.
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُزَوِّجَهَا وَإِنْ أَذِنَتْ، لِنُقْصَانِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ حَالِ الْكَمَالِ، فَعَلَى هَذَا هَلْ يُزَوِّجُهَا الْحَاكِمُ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ: يَجُوزُ لَهُ تَزْوِيجُهَا إِذَا رَضِيَتْ وَرَضِيَ