الإجماع منقعد عَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِهَا فِي حَالِ الْحَمْلِ لِحُرْمَةٍ لَمْ يَتَحَقَّقْهَا، فَكَانَ تَحْرِيمُ بَيْعِهَا بَعْدَ الْوَضْعِ لِحُرْمَةٍ مُتَحَقِّقَةٍ أَوْلَى.
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ جَابِرٍ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى فِعْلِ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَوْ لَمْ يَعْلَمِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِفِعْلِهِمْ لَهُ.
وَالثَّانِي: أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أُمَّهَاتِ أَوْلَادٍ وَلَدْنَ بَعْدَ نِكَاحٍ مِنْ غَيْرِ مِلْكٍ، ألا ترى أن عمر رضي الله عنها لَمَّا نَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ تَقَبَّلُوا نَهْيَهُ، وَلَوْ كَانَ شَرْعًا مُبَاحًا لَقَالُوهُ وَخَالَفُوهُ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِصْحَابِهِمْ لِحُكْمِ مَا قَبْلَ الْعُلُوقِ، فَهُوَ أن اختلافهما في الحرمة توجب اخْتِلَافَهُمَا فِي الْحُكْمِ ثُمَّ اسْتِصْحَابَ حُكْمِهَا فِي حَالِ الْحَمْلِ إِلَى مَا بَعْدَ الْوِلَادَةِ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مُعْتَبَرًا لِأَنَّهَا أَقْرَبُ الْحَالَتَيْنِ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِإِيلَادِهَا فِي عَقْدِ نِكَاحٍ، فَهُوَ أَنَّ وَلَدَهَا فِي النِّكَاحِ كَانَ مَمْلُوكًا لم يثبت له الحرية، فلذلك ثم تَنْتَشِرْ حُرْمَتُهُ إِلَيْهَا فِي الْحُرِّيَّةِ، وَوَلَدَهَا فِي الْمِلْكِ حُرٌّ فَانْتَشَرَتْ حُرْمَتُهُ إِلَيْهَا فِي ثُبُوتِ الْحُرِّيَّةِ، وَإِنَّمَا صَارَ وَلَدُهُ مِنَ النِّكَاحِ مَمْلُوكًا، وَمِنَ الْمِلْكِ حُرًّا، لِأَنَّ الْوَلَدَ مَخْلُوقٌ مِنْ مَائِهِ وَمَائِهَا، وَمَاؤُهَا حَقٌّ لِسَيِّدِهَا، فَتَبِعَهُ مَاءُ الرَّجُلِ، لِأَنَّ الْوَلَدَ تَبَعٌ لِأُمِّهِ، فَصَارَ الْمَاءَانِ فِي النِّكَاحِ مِلْكًا لِغَيْرِهِ، فَانْعَقَدَ الْوَلَدُ مَمْلُوكًا، وَصَارَ فِي أَمَتِهِ مِلْكًا لِنَفْسِهِ، فَانْعَقَدَ الْوَلَدُ حُرًّا، وَإِذَا صَارَ بَعْضُهَا حُرًّا جَازَ أَنْ يَسْرِيَ حُكْمُهُ إِلَيْهَا فِي الْحُرِّيَّةِ، وَفِي هَذَا الِانْفِصَالِ اسْتِدْلَالٌ عَلَى الْأَصْلِ، وَقَدْ نَبَّهَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى عِنْدَ نَهْيِهِ، وَقَالَ: كَيْفَ نَبِيعُهُنَّ وَقَدْ خَالَطَتْ لُحُومُنَا لُحُومَهُنَّ، وَدِمَاؤُنَا دِمَاءَهُنَّ؟
فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا مِنِ انْتِشَارِ حُرْمَتِهَا، وَتَحْرِيمِ بَيْعِهَا، فَالْكَلَامُ فِيهَا مُشْتَمِلٌ عَلَى فَصْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: فِيمَا تَصِيرُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ.
وَالثَّانِي: فِي حُكْمِهَا بَعْدَ كَوْنِهَا أُمَّ وَلَدٍ.
فَأَمَّا الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: فِيمَا تَصِيرُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ، فَهُوَ أَنْ تَضَعَ مِنْ سَيِّدِهَا مَا انْعَقَدَ خَلْقُ الْوَلَدِ فِيهِ، وَهُوَ عَلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: وَهُوَ أَكْمَلُ أَحْوَالِهَا أَنْ تَضَعَ وَلَدًا كَامِلًا فِي خَلْقِهِ، وَزَمَانِهِ، ذَكَرًا، أَوْ أُنْثَى، أَوْ خُنْثَى، فَتَصِيرَ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ، سَوَاءٌ ثَبَتَتْ حُرْمَةُ الْوَلَدِ بِالْحَيَاةِ أَوْ لَمْ تَثْبُتْ لَهُ الْحُرْمَةُ بِإِلْقَائِهِ مَيِّتًا، وَيَتَعَلَّقْ بِالْوَلَدِ إِنْ وَضَعَتْهُ حَيًّا أَرْبَعَةُ أحكام: