وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى تَعْجِيزِهِ، فَيَعُودَ بِالتَّعْجِيزِ رَقِيقًا يَمْلِكُهُ الْوَارِثُ، وَتَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ، وَتَصِحُّ فِيمَا قَبَضَ مِنْهَا.
وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَدْعُوَ الْمُوصَى لَهُ إِلَى إِنْظَارِهِ لِيَأْخُذَ مَا فِي كِتَابَتِهِ، وَيَدْعُوَ الْوَارِثُ إِلَى تَعْجِيزِهِ لِيَصِيرَ وَارِثًا لِرَقَبَتِهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَارِثِ فِي التَّعْجِيزِ، لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ مُعَلَّقَةٌ بِالْأَدَاءِ، وَمُنْتَهِيَةٌ بِالْعَجْزِ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لِلْوَارِثِ إِبْطَالُهَا عَلَى الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ الْعَجْزِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُوصَى لَهُ أَنْ يُبْطِلَ مِلْكَ الْوَارِثِ بَعْدَ الْعَجْزِ.
وَالْحَالُ الرَّابِعَةُ: أَنْ يَدْعُوَ الْمُوصَى لَهُ إِلَى تَعْجِيزِهِ، وَيَدْعُوَ الْوَارِثُ إِلَى إِنْظَارِهِ فَلَيْسَ لِتَعْجِيزِ الْمُوصَى لَهُ فَائِدَةٌ تَعُودُ عَلَيْهِ، فَلَا يُؤَثِّرُ تَعْجِيزَهُ، وَيَكُونُ إِمْضَاءُ الْوَارِثِ أَمْضَى، لِأَنَّ الْحَقَّ فِي التَّعْجِيزِ لَهُ، وَيَكُونُ تَعْجِيزُ الْمُوصَى لَهُ مُبْطِلًا لِلْوَصِيَّةِ فِيمَا يُؤَدِّيهِ بَعْدَ الْإِنْظَارِ، وَيَصِيرُ الْوَارِثُ أَحَقَّ بِهِ.
وَإِذَا أَوْصَى بِمَالِ كِتَابَتِهِ لِزَيْدٍ إِنْ أَدَّى، وَبِرَقَبَتِهِ لعمروا إِنْ عَجَزَ صَحَّتِ الْوَصِيَّتَانِ، فَإِنْ أَدَّى وَعَتَقَ، اسْتَقَرَّتِ الْوَصِيَّةُ بِمَالِ الْكِتَابَةِ، وَبَطَلَتِ الْوَصِيَّةُ بِالرَّقَبَةِ، وَإِنْ عَجَزَ وَرَقَّ بَطَلَتِ الْوَصِيَّةُ بِمَالِ الْكِتَابَةِ، وَصَحَّتِ الْوَصِيَّةُ بِالرَّقَبَةِ فَإِنِ اخْتَلَفَ الْمُوصَى لَهُ بِالْكِتَابَةِ وَالْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ عِنْدَ عَجْزِهِ وَإِنْظَارِهِ، وَتَعْجِيزِهِ، فَذَلِكَ ضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَدْعُوَ الْمُوصَى لَهُ بِالْكِتَابَةِ إِلَى إِنْظَارِهِ، وَيَدْعُوَ الْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ إِلَى تَعْجِيزِهِ، فَيَكُونَ الْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ فِي تَعْجِيزِهِ أَحَقَّ مِنَ الْمُوصَى لَهُ بِالْمَالِ فِي إِنْظَارِهِ، فَتَصِحَّ الْوَصِيَّةُ بِالرَّقَبَةِ، وَتَبْطُلَ الْوَصِيَّةُ بِالْكِتَابَةِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَدْعُوَ الْمُوصَى لَهُ بِالْكِتَابَةِ إِلَى تَعْجِيزِهِ، وَيَدْعُوَ الْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ إِلَى إِنْظَارِهِ فَتَبْطُلَ الْوَصِيَّتَانِ جَمِيعًا بِالْكِتَابَةِ وَالرَّقَبَةَ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَاعٍ إِلَى إِبْطَالِ وَصِيتِهِ، فَصَارَ مُبْطِلًا لَهَا، وَيَعُودُ الْمُكَاتَبُ إِلَى الورثة، فيكونوا فِيهِ بِالْخِيَارِ بَيْنَ إِنْظَارِهِ وَتَعْجِيزِهِ.
فَصْلٌ
وَإِذَا وَصَّى بِمَا تَعَجَّلَهُ الْمُكَاتَبُ مِنْ مَالِ كِتَابَتِهِ صَحَّتِ الْوَصِيَّةُ، وَكَانَتْ مُخْتَصَّةً بِمَا يُؤَدِّيهِ تَعْجِيلًا قَبْلَ حُلُولِهَا، فَأَيُّ شَيْءٍ عَجَّلَ الْمُكَاتَبُ اسْتَحَقَّهُ الْمُوصَى لَهُ، وَمَا أَدَّاهُ بَعْدَ حُلُولِهِ اسْتَحَقَّهُ الْوَارِثُ، لِأَنَّ تَعْلِيقَ الْوَصَايَا بِالصِّفَاتِ الْمَجْهُولَةِ جَائِزٌ.
قال الشافعي رضي الله عنه: (وَلَوْ كَانَتِ الْكِتَابَةُ فَاسِدَةً بَطَلَتِ الْوَصِيَّةُ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، إِذَا كَانَتِ الْكِتَابَةُ فَاسِدَةً بَطَلَتِ الْوَصِيَّةُ بِمَالِ الْكِتَابَةِ، لِأَنَّ بُطْلَانَهَا قَدْ أَسْقَطَ مَالَهَا مِنْ ذِمَّةِ الْمُكَاتَبِ، فَصَارَ مُوصِيًا بِمَا لَا يَمْلِكُ، وَلَكِنْ لَوْ قَالَ: قَدْ أَوْصَيْتُ لَكَ بِمَا يُؤَدِّيهِ مُكَاتَبِي صَحَّتِ الْوَصِيَّةُ، وَإِنْ كَانَتِ الْكِتَابَةُ فَاسِدَةً، لِأَنَّهُ يُؤَدِّي فِي الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ، وَيَعْتِقُ كَمَا يُؤَدِّي فِي الصَّحِيحَةِ ويكون ذلك