قال الشافعي رضي الله عنه: (وَلَوْ أَنْكَحَ ابْنَةً لَهُ مُكَاتَبَهُ بِرِضَاهَا فَمَاتَ وَابْنَتُهُ غَيْرُ وَارِثَةٍ إِمَّا لِاخْتِلَافِ دِينِهِمَا أَوْ لِأَنَّهَا قَاتِلَةٌ فَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ وَإِنْ كَانَتْ وَارِثَةً فَسَدَ النِّكَاحُ لِأَنَّهَا مَلَكَتْ مِنْ زَوْجِهَا بَعْضَهُ) . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَأَصْلُ هَذَا أَنَّهُ يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُزَوِّجَ بِنْتَهُ بِمُكَاتَبِهِ إِذَا أَذِنَتْ فِيهِ، لِأَنَّ رِضَا الْوَلِيِّ وَالْمَنْكُوحَةِ بِسُقُوطِ الْكَفَاءَةِ لَا يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الْعَقْدِ، فَإِذَا مَاتَ السَّيِّدُ وَبِنْتُهُ غَيْرُ وَارِثَةٍ لِاخْتِلَافِ دِينٍ أَوْ قَتْلٍ فَالنِّكَاحُ بِحَالِهِ، لِأَنَّهَا لَمْ تَمْلِكْ مِنْهُ فِي الْحَالَيْنِ شَيْئًا، وَإِنْ كَانَتْ وَارِثَةً بَطَلَ نِكَاحُهُ، لِأَنَّهَا مَلَكَتْ بَعْضَ زَوْجِهَا، وَمِلْكُ الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا أَوْ شَيْءٍ مِنْهُ مُبْطِلٌ لِنِكَاحِهَا، لِتَنَافِي مِلْكِ الْيَمِينِ وَعَقْدِ النِّكَاحِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ إِذَا مَلَكَتْهُ بَعْدَ الْعَقْدِ وَلَوْ مَلَكَتْهُ قَبْلَ الْعَقْدِ بَطَلَ النِّكَاحُ وَبَنَاهُ عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ الْوَارِثَ لَا يَمْلِكُ رَقَبَةَ الْمُكَاتَبِ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُ مَا عَلَيْهِ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ، وَإِذَا مَلَكَتِ الْمَرْأَةُ دَيْنًا عَلَى زَوْجِهَا لَمْ يَبْطُلْ نِكَاحُهَا، وَهَذَا فَاسِدٌ، لِأَنَّ حُقُوقَ الْمِلْكِ إِذَا مَنَعَتِ ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ مَنَعَتِ اسْتَدَامَتَهُ، كَالْعَبْدِ يَبْطُلُ النِّكَاحُ بِعَقْدِهِ بَعْدَ مِلْكِهِ، وَبِمَلِكِهِ بعد عقده، كذلك نكاح الكاتب لَمَّا بَطَلَ بِمِلْكِهِ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ وَجَبَ أَنْ يَبْطُلَ بِهِ فِي اسْتَدَامَتِهُ وَلَيْسَ لِقَوْلِهِ إِنَّمَا تَمْلِكُ الدَّيْنَ دُونَ الرَّقَبَةِ وَجْهٌ، لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا تَمْلِكُهُ بِالْعَجْزِ، وَالدُّيُونُ لَا تُمَلَّكُ بِالْعَجْزِ عَنْهَا فِي بَابِ الْعَبِيدِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمْ يَمْنَعْ مِنَ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ إِلَّا لِأَجْلِ الْمِلْكِ فَكَذَلِكَ فِي اسْتَدَامَتِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مَسْأَلَةٌ
قال الشافعي رضي الله عنه: (فإن دَفَعَ مِنَ الْكِتَابَةِ مَا عَلَيْهِ إِلَى أَحَدِ الْوَصِّيَّيْنِ أَوْ أَحَدِ وَارِثَيْنِ أَوْ إِلَى وَارِثٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَهُ وَصَايَا لَمْ يَعْتِقْ إِلَّا بِوُصُولِ الدَّيْنِ إِلَى أَهْلِهِ وَكُلِّ ذِي حَقٍّ حَقِّهِ إِذَا لَمْ يَدْفَعْ بِأَمْرِ حَاكِمٍ أو إلى وصي) .
قال الماوردي: ولهذا المسألة أصلان: