بِهَا، فَجَرَى مَجْرَى الْهِبَةِ فَبَطَلَ الْعَفْوُ إِنْ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ السَّيِّدُ، وَفِي بُطْلَانِهِ بِإِذْنِهِ قَوْلَانِ كَالْهِبَةِ.
وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَعْفُوَ عَنِ الْقَوَدِ، وَلَا يُصَرِّحَ فِي الدِّيَةِ بِعَفْوٍ وَلَا طَلَبٍ، فَيَسْقُطَ الْقَوَدُ بِعَفْوِهِ، وَفِي سُقُوطِ الدِّيَةِ بِإِمْسَاكِهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: تَسْقُطُ إِذَا قِيلَ: إِنَّ جِنَايَةَ الْعَمْدِ تُوجِبُ الْقَوَدَ، وَأَنَّ الدِّيَةَ لَا تَجِبُ إِلَّا بِالِاخْتِيَارِ، فَإِذَا لَمْ يُوجَدِ اخْتِيَارُ الدِّيَةِ عَلَى الْفَوْرِ سَقَطَ حُكْمُهُ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَا تَسْقُطُ الدِّيَةُ إِذَا قِيلَ: إِنْ جِنَايَةَ الْعَمْدِ تُوجِبُ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ مِنَ الْقَوَدِ أَوِ الدِّيَةِ، فَلَا يَكُونُ الْعَفْوُ عَنْ أَحَدِهِمَا عَفْوًا عَنِ الْآخَرِ.
فَأَمَّا إِذَا صَالَحَ عَنِ الدِّيَةِ فَإِنْ كَانَ صُلْحَ بَدَلٍ عَدَلَ عَنْ جِنْسِ الدِّيَةِ إِلَى غَيْرِهِ مِنَ الْإِبْدَالِ صَحَّ الصُّلْحُ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ إِسْقَاطٌ وَمُغَابَنَةٌ، وَإِنْ كَانَ صُلْحَ إِبْرَاءٍ بِأَنَّ صَالَحَ مِنَ الدِّيَةِ عَلَى بَعْضِهَا، فَإِنْ قِيلَ: يَصِحُّ عَفْوُهُ عَنِ الْجَمِيعِ كَانَ عَفْوُهُ عَنِ الْبَعْضِ أَصَحَّ، وَإِنْ قِيلَ: يَبْطُلُ عَفْوُهُ عَنِ الْجَمِيعِ بَطَلَ عفوه عن البعض.
قال الشافعي رضي الله عنه: (وَلَوْ عَفَا عَنِ الْقِصَاصِ وَالْأَرْشِ مَعًا ثُمَّ عَتَقَ كَانَ لَهُ أَخْذُ الْمَالِ وَلَا قَوَدَ لِأَنَّهُ عَفَا وَلَا يَمْلِكُ إِتَلَافَ الْمَالِ وَلَوْ كَانَ الْعَفْوُ بِإِذْنِ السَّيِّدِ فَالْعِتْقُ جَائِزٌ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا إِذَا قِيلَ بِصِحَّةِ عَفْوِهِ عَنِ الدِّيَةِ فَقَدْ سَقَطَتْ، سَوَاءٌ عَتَقَ بِالْأَدَاءِ أَوْ رَقَّ بِالْعَجْزِ، وَلَا مُطَالَبَةَ لِلسَّيِّدِ بِهَا لِصِحَّةِ الْعَفْوِ عَنْهَا، فَأَمَّا إِذَا قِيلَ بِبُطْلَانِ الْعَفْوِ عَنِ الدِّيَةِ فَلِلْمُكَاتَبِ إِنْ عَتَقَ أَنْ يُطَالِبَ بِهَا، وَلِلسَّيِّدِ إِنَّ رَقَّ الْمُكَاتَبُ أَنْ يُطَالِبَ بِهَا لِبَقَاءِ الدِّيَةِ بِبُطْلَانِ الْعَفْوِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.