قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: (وَأَرْشُ مَا جَنَى عَلَى الْمُكَاتَبِ لَهُ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، وَقَالَ مَالِكٌ مَا جَنَى عَلَى الْمُكَاتَبِ لِسَيِّدِهِ، لِأَنَّهُ قِيمَةُ مِلْكٍ مُسْتَهْلَكٍ، وَالسَّيِّدُ هُوَ الْمَالِكُ دُونَهُ، قَالَ: وَلِأَنَّ مَالَ الْكِتَابَةِ يُؤَدَّى مِنَ الْأَكْسَابِ الْمُسْتَفَادَةِ، وَلَيْسَ أَرْشُ الْجِنَايَةِ مِنْ كَسْبِهِ، وَهَذَا فَاسِدٌ، بَلْ أَرْشُ الْجِنَايَةِ يَكُونُ لِلْمُكَاتَبِ دُونَ سَيِّدِهِ لِخُرُوجِ الْمُكَاتَبِ عَنْ حُكْمِ مِلْكِهِ، وَلِأَنَّ مَالَ الْكِتَابَةِ مُعَاوَضَةٌ عَنْ رِقِّهِ، وَلِأَنَّ مَهْرَ الْكِتَابَةِ لَمَّا كَانَ لَهَا دُونَ السَّيِّدِ فَأَرْشُ الْجِنَايَةِ أَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ لِلسَّيِّدِ، وَبِهَذَا يَفْسُدُ مَا ذَكَرَهُ.
فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا، فَالْجِنَايَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: طَرَفٌ، وَنَفْسٌ.
فَأَمَّا الْجِنَايَةُ عَلَى الطَّرَفِ فَهِيَ الَّتِي يَخْتَصُّ الْمُكَاتَبُ بِهَا، فَإِذَا كَانَتْ عَلَى إِحْدَى يَدَيْهِ فَفِيهَا نِصْفُ قِيمَتِهِ، فَإِنِ انْدَمَلَتْ حُكِمَ لَهُ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ يَسْتَعِينُ لَهُ فِي مَالِ الْكِتَابَةِ، وَإِنْ طَلَبَ ذَلِكَ قَبْلَ الِانْدِمَالِ، فَعَلَى قَوْلَيْنِ مَضَيَا.
وَأَمَّا الْجِنَايَةُ عَلَى النَّفْسِ فَهِيَ لِلسَّيِّدِ، لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ مَاتَ بِهَا عَبْدًا.
مَسْأَلَةٌ
قَالَ الشافعي رضي الله عنه: (ولو قتله السيد لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ مَاتَ عَبْدًا وَلَوْ قَطَعَ يَدَهُ فَإِنْ كَانَ يُعْتَقُ بِأَرْشِ يده وطلبه العبد جعل قصاصا وعتق وإن مات بعد ذلك ضمن ما يضمن لو جنى على عبد غيره فعتق قبل أن يموت وإن كانت الكتابة غير حالة كان له تعجيل الأرش فإن لم يقبضه حتى مات سقط عنه لأنه صار مالا له) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَإِذْ قَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي جِنَايَةِ الْأَجْنَبِيِّ عَلَى الْمُكَاتَبِ، وَذَكَرْنَا الْفَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَلَى نَفْسٍ أَوْ طَرَفٍ، وَانْتَقَلَ الْكَلَامُ إِلَى جِنَايَةِ السَّيِّدِ عَلَى مُكَاتَبِهِ، وَهِيَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ عَلَى نَفْسٍ، فَتَكُونَ هَدَرًا لَا قَوَدَ فِيهَا وَلَا دِيَةَ لِأَنَّهُ عَبْدُهُ، وَالسَّيِّدُ لَا يُقْتَلُ بِعَبْدِهِ، لَكِنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ الْقَتْلِ، فَإِنْ خَلَّفَ الْمَكَاتَبُ مَالًا كان بيده،