الْإِمَامِ هُوَ أَنَّ كَمَالَ الْجَمَاعَةِ لَمْ يَحْصُلْ بِخُرُوجِ الْإِمَامِ قَبْلَ الْفَرَاغِ فَجَازَ أَنْ يَسْتَخْلِفَ لِتَكْمُلَ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ، وَإِذَا خَرَجَ مِنْهَا بَعْدَ الْفَرَاغِ فَقَدْ حَصَلَ لَهُمْ كَمَالُ الْجَمَاعَةِ فَلَمْ يَجُزِ الِاسْتِخْلَافُ بَعْدَ الْكَمَالِ، فَأَمَّا جَوَازُ إِتْمَامِ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ فَالْكَلَامُ فِيهِ مَعَ الْمُخَالِفِ قَدْ تَقَدَّمَ
فَأَمَّا صَلَاةُ النَّافِلَةِ فِي السَّفَرِ فمستحبة وغير مكروهة، وقد حكى الشافعي عن شَاذَّ مِنَ الْفُقَهَاءِ كَرَاهَتَهَا لِأَنَّهُ لَمَّا رَخَّصَ لِلْمُسَافِرِ فِي تَرْكِ بَعْضِ الْفَرْضِ مَنَعَ مِنَ النَّفْلِ وَهَذَا غَلَطٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يَتَنَفَّلُ عَلَى رَاحِلَتِهِ فِي السَّفَرِ لِأَنَّ مَسْنُونَاتِ السَّفَرِ ضَرْبَانِ ضَرْبٌ يَتَخَلَّلُهَا وَضَرْبٌ يَتَعَقَّبُهَا، فَلَمَّا جَازَ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يَأْتِيَ بِالْمَسْنُونِ فِي حَالِ فَرْضِهِ مِنَ التَّسْبِيحِ وَالْقُنُوتِ وَغَيْرِهِ جَازَ أن يأتي بالمسنون عقيب فرضه
: وَاحْتَجَّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جَمَعَ فِي سَفَرِهِ إِلَى تَبُوكَ بَيْنَ الظُّهْرِ والعصر والمغرب والعشاء جميعاً وأن ابن عمر جمع بين المغرب والعشاء في وقت العشاء وأن ابن عباس قال ألا أخبركم عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي السَّفَرِ؟ كَانَ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ وَهُوَ فِي مَنْزِلِهِ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي وقت الزوال وإذا سافر قبل الزَّوَالِ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ العصر في وقت العصر (قال الشافعي) وأحسبه في المغرب والعشاء مثل ذلك وهكذا فعل بعرفة لأنه أرفق به تقديم العصر ليتصل له الدعاء وأرفق به بالمزدلفة تأخير المغرب ليتصل له السفر فلا ينقطع بالنزول للمغرب لما في ذلك من التضييق على الناس فَدَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على أن من له القصر فله الجمع كما وصفت والجمع بين الصلاتين في أي الوقتين " شاء
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: إِذَا سَافَرَ الرَّجُلُ سَفَرًا تُقْصَرُ فِي مِثْلِهِ الصَّلَاةُ جَازَ الْجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي وَقْتِ أَيِّهِمَا شَاءَ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ
وَقَالَ أبو حنيفة: لَا يَجْمَعُ إِلَّا بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ بِعَرَفَاتٍ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ الْآخِرَةِ فِي وَقْتِ عِشَاءِ الْآخِرَةِ بِمُزْدَلِفَةَ مُسَافِرًا كَانَ أَوْ مُقِيمًا حَاضِرًا، وَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ، اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103] فَأَوْجَبَ فِعْلَهَا فِي أَوْقَاتِهَا وَمَنَعَ مِنْ تَأْخِيرِهَا وَتَقْدِيمِهَا، وَالْجَمْعُ تَأْخِيرٌ أَوْ تَقْدِيمٌ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَمْنُوعًا مِنْهُ، وَرِوَايَةُ قَتَادَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا تَفْرِيطَ فِي النَّوْمِ إِنَّمَا التَّفْرِيطُ أَنْ يُؤَخِّرَ صَلَاةً حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ صَلَاةٍ أُخْرَى " فَأَخْبَرَ أَنَّ تَأْخِيرَ الصَّلَاةِ إِلَى غَيْرِ وَقْتِهَا تَفْرِيطٌ
قَالَ: وَلِأَنَّهُمَا صَلَاتَانِ لَا يَجُوزُ للمقيم الجمع بينهما مع زوال العذر، فيجب أن لا