قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ قِيمَةَ حِصَّةِ الشريك معتبرة بوقت العتق على الأقاويل كلها، وَلَا اعْتِبَارَ بِمَا حَدَثَ بَعْدَهُ مِنْ نُقْصَانٍ، لِأَنَّ عِتْقَهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ إِتْلَافًا، أَوْ سَبَبًا، لِلْإِتْلَافٍ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُوجِبٌ لِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ عِنْدَ حُدُوثِهِ، كَالْجِنَايَةِ عَلَى الْعَبْدِ إذا كانت قتلا، أو سببنا أفضى إلى القتل، وتعتبر قيمته قتل عِتْقِ بَعْضِهِ، لِأَنَّ عِتْقَ الْبَعْضِ مُوكِسٌ لِقِيمَتِهِ، وَهَذَا الْوَكْسُ بِعِتْقِهِ الْجَارِي مَجْرَى جِنَايَتِهِ، فَأَمَّا مَا حَدَثَ بَعْدَ الْعِتْقِ مِنْ زِيَادَةٍ فِي قِيمَةِ الْحِصَّةِ فَمَحْمُولٌ عَلَى الْأَقَاوِيلِ الثَّلَاثَةِ فِي نُفُوذِ عِتْقِهَا فَإِنْ قِيلَ إِنَّهَا عَتَقَتْ بِلَفْظِ الْمُعْتِقِ، لَمْ يَضْمَنْهَا الْمُعْتِقُ، وَكَذَلِكَ إِنْ قِيلَ بِالثَّانِي إِنَّ عِتْقَهَا مَوْقُوفٌ مُرَاعًى لَمْ يَضْمَنْهَا، لِأَنَّ دَفْعَ الْقِيمَةِ يَدُلُّ عَلَى تَقَدُّمِ عِتْقِهَا، وَإِنْ قِيلَ: إِنَّهَا تُعْتَقُ بِدَفْعِ الْقِيمَةِ وَمَعَهَا فَفِي ضَمَانِ الْمُعْتِقِ لِمَا حَدَثَ مِنْ زِيَادَةِ الْقِيمَةِ، بَعْدَ عِتْقِهِ وَقَبْلَ دَفْعِهَا، وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَضْمَنُهَا، لِأَنَّ سَبَبَ الْإِتْلَافِ فِي اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ كَالْإِتْلَافِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَضْمَنُ الزِّيَادَةَ دُونَ النُّقْصَانِ، كَالْغَاصِبِ فِي ضَمَانِهِ لِأَكْثَرِ الْقِيمَةِ، لِأَنَّ الزِّيَادَةَ حَادِثَةٌ عَلَى مِلْكِ الشَّرِيكِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْتَهْلِكَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ.
فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَاهُ فِي اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ، فَاخْتَلَفَا فِيهَا فَقَالَ: الْمُعْتِقُ مِائَةٌ، وَقَالَ الشَّرِيكُ مِائَتَانِ. فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ بَاقِيًا لَمْ تَتَغَيَّرْ قِيمَتُهُ بتطاول الزمان، فلا اعتبار باختلافهما ويقومها ثِقَتَانِ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ، فَإِذَا قَوَّمَاهَا لَمْ يَخْلُ حَالُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْقِيمَةِ مِنْ خَمْسَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يُوَافِقَ مَا أَقَرَّ بِهِ الْمُعْتِقُ، وَهُوَ الْمِائَةُ فَلَا يَلْزَمُهُ غَيْرُهَا، وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ فِيهَا.
وَالثَّانِي: أَنْ يُوَافِقَ مَا ادَّعَاهُ الشَّرِيكُ وَهُوَ الْمِائَتَانِ فَيَسْتَحِقُّهَا وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ فِيهَا.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ وَسَطًا بَيْنَهُمَا، غَيْرَ مُوَافِقَةٍ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَذَلِكَ بِأَنْ تُقَوَّمَ مِائَةٌ وَخَمْسِينَ، فَيُحْكَمَ بِهَا عَلَيْهِمَا وَلَا يَسْتَحِقُّ الشَّرِيكُ أَكْثَرَ مِنْهُمَا، وَلَا نَقْتَنِعُ مِنَ الْمُعْتِقِ بِأَقَلَّ مِنْهُمَا.
وَالرَّابِعُ: أَنْ تَكُونَ زَائِدَةً عَلَى أَكْثَرِهِمَا، وَذَلِكَ بِأَنْ تُقَوَّمَ بِمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ، فَلَا يُحْكَمُ لِلشَّرِيكِ إِلَّا بِمِائَتَيْنِ، لِأَنَّهُ بِالِاقْتِصَارِ عَلَيْهَا مُبَرَّأٌ مِنَ الزِّيَادَةِ عَلَيْهَا.
وَالْخَامِسُ: أَنْ تَكُونَ نَاقِصَةً عَنْ أَقَلِّهِمَا وَذَلِكَ بِأَنْ تُقَوَّمَ بِخَمْسِينَ، فَلَا نَقْتَنِعُ مِنَ الْمُعْتَقِ بِأَقَلَّ مِنْ مائة، لأنه قد أ 5 قر بِهَا، وَإِنْ تَعَذَّرَ تَقْوِيمُهُ فِي زَمَانِ الْعِتْقِ، إِمَّا لِمَوْتِهِ، أَوْ غَيْبَتِهِ، وَإِمَّا لِتَغَيُّرِ أَحْوَالِهِ بِالْكِبَرِ بَعْدَ الصِّغَرِ، أَوْ بِالْمَرَضِ بَعْدَ الصِّحَّةِ، أَوْ بِالزَّمَانَةِ بَعْدَ السَّلَامَةِ، فَفِي اخْتِلَافِهَا فِي القيمة قولان: