وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا وَالْآخَرُ كَافِرًا، فَلِلْعَبْدِ حَالَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا: أَنْ يَكُونَ كَافِرًا، فَيَسْتَوِي فِيهِ حُكْمُ الشَّرِيكَيْنِ، سَوَاءٌ كَانَ الْمُعْتِقُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا وَسَوَاءٌ كَانَ مُعْسِرًا أَوْ مُوسِرًا.
وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ مُسْلِمًا فَلَا يَخْلُو حَالُ مُعْتِقِهِ مِنْهُمَا أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُسْلِمَ، أَوِ الْكَافِرَ.
فَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُسْلِمَ، عَتَقَتْ حِصَّتُهُ، وَكَانَ لَهُ وَلَاؤُهَا فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا قُوِّمَ عَلَيْهِ بَاقِيهِ.
فَإِنْ قِيلَ بِنُفُوذِ عِتْقِهِ بِسِرَايَةِ لَفْظِهِ، وُقِفَتِ الْقِيمَةُ عَلَى مُطَالَبَةِ الشَّرِيكِ بِهَا.
وَإِنْ قِيلَ إِنَّ عِتْقَهُ لَا يَسْرِي إِلَّا بِدَفْعِ الْقِيمَةِ، أُخِذَ بِتَعْجِيلِهَا لِأَنْ يَتَعَجَّلَ عِتْقَهَا، وَلَا يَسْتَدِيمُ الْكَافِرُ مِلْكَ رِقِّهَا. وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا لَمْ يَسْرِ عِتْقُهُ، وَقِيلَ لِلشَّرِيكِ الْكَافِرِ لَا يَقَرُّ مِلْكُكَ عَلَى اسْتِرْقَاقِ مُسْلِمٍ، وَأَنْتَ بَيْنَ خِيَارَيْنِ: إِمَّا أَنْ تَعْتِقَهُ، أَوْ تَبِيعَهُ عَلَى مُسْلِمٍ، فَإِنْ دَبَّرَهُ لم يقر تدبيره لما فيه اسْتِيفَاءِ رِقِّهِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ، وَإِنْ كَاتَبَهُ فَفِي إِقْرَارِهِ عَلَى كِتَابَتِهِ قَوْلَانِ، وَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ هُوَ الْكَافِرَ نَفَذَ عِتْقُهُ فِي حِصَّتِهِ، وَنُظِرَ فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا لَمْ يَسْرِ عِتْقُهُ وَأُقِرَّ رِقُّ بَاقِيهِ عَلَى مِلْكِ الشَّرِيكِ الْمُسْلِمِ وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا.
فَإِنْ قِيلَ بِسِرَايَةِ عِتْقِهِ بِلَفْظِهِ، عَتَقَتْ عَلَيْهِ وَكَانَ فِيهَا كَالْمُسْلِمِ، لِأَنَّهُ يُغَرَّمُ قِيمَةَ مُتْلَفٍ، يَسْتَوِي فِيهِ الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ.
وَإِنْ قِيلَ: إِنَّ عِتْقَهُ لَا يَقَعُ إِلَّا بِدَفْعِ الْقِيمَةِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي هَذَا التَّقْوِيمِ، هَلْ يَجْرِي مَجْرَى الْبَيْعِ، أَوْ مَجْرَى قِيمَةِ مُسْتَهْلَكٍ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ الْمُزَنِيِّ، وَبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ، أَنَّهُ تَقْوِيمُ مُسْتَهْلَكٍ. فَعَلَى هَذَا يُقَوَّمُ عَلَيْهِ كَتَقْوِيمِهِ عَلَى الْمُسْلِمِ. وَيُؤْخَذُ بِتَعْجِيلِ الْقِيمَةِ لِيَتَعَجَّلَ بِهَا الْعِتْقَ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلٌ شَاذٌّ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى الْبَيْعِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ جَوَازُ تَقْوِيمِهِ فِي حَقِّ الْكَافِرِ عَلَى قَوْلَيْنِ مِنَ ابْتِيَاعِ الْكَافِرِ لِعَبْدٍ مُسْلِمٍ:
أَحَدُهُمَا: يَبْطُلُ الْبَيْعُ، وَيَبْطُلُ التَّقْوِيمُ، وَيَكُونُ مِلْكُ رِقِّهِ بَاقِيًا عَلَى الشَّرِيكِ الْمُسْلِمِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ، وَلَا يَبْطُلُ التَّقْوِيمُ، وَيُعْتَقُ فِي حَقِّ الْكَافِرِ كَمَا يُعْتَقُ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ، وَهَذَا أَظْهَرُهُمَا فِي التَّقْوِيمِ. وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُهُمَا فِي الْبَيْعِ، لِإِفْضَاءِ التَّقْوِيمِ إِلَى العتق وإفضاء البيع إلى الملك.
: قال الشافعي رضي الله عنه: (وَإِذَا أَدَّى الْمُوسِرُ قِيمَتَهُ كَانَ لَهُ وَلَاؤُهُ) .