وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: وَهُوَ تَخْرِيجُ الْمُزَنِيِّ: لَهُ أَنْ يَقْصُرَ مَا كَانَ مُقِيمًا عَلَى تَنْجِيزِ أَمْرِهِ وَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قِيَاسًا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمُحَارِبِ بِعِلَّةٍ أَنَّهُ مُسَافِرٌ عَازِمًا عَلَى الرَّحِيلِ عِنْدَ تَنْجِيزِ أَمْرِهِ فَجَازَ لَهُ الْقَصْرُ كَ " الْمُحَارِبِ " أَوْ قِيَاسًا عَلَى مَا دُونَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ
فَهَذَا الْكَلَامُ فِي الْمُقِيمِ لِعُذْرٍ يَرْجُو زَوَالَهُ
فَأَمَّا إِذَا أَقَامَ غَيْرَ مُحَارِبٍ وَلَا مَشْغُولٍ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فِي إِقَامَةٍ وَلَا رَحِيلٍ فَهَذَا يَقْصُرُ تَمَامَ أَرْبَعٍ ثُمَّ عَلَيْهِ أَنْ يُتِمَّ فِيمَا زَادَ عَلَيْهَا قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّ إِقَامَتَهُ بَعْدَ أَرْبَعٍ أَوْكَدُ مِنْ عَزْمِهِ عَلَى مُقَامِ أَرْبَعٍ لِأَنَّهُ قَدْ حَقَّقَ ذَلِكَ بِفِعْلِهِ
: فَإِذَا مَرَّ الْمُسَافِرُ فِي طَرِيقِهِ بِبَلَدٍ لَهُ فِيهَا دَارٌ أَوْ مَالٌ أَوْ ذُو قَرَابَةٍ جَازَ لَهُ الْقَصْرُ فِيهِ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَصَرَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مُدَّةَ مُقَامِهِ بِمَكَّةَ وَمَعَهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ وَلَهُمْ بِمَكَّةَ دُورٌ وَمَالٌ وَقَرَابَةٌ، فَإِنْ دَخَلَ بَلَدًا أَوْ نَوَى إِنْ لَقِيَ فُلَانًا أَنْ يُقِيمَ فِيهِ شَهْرًا فَإِنْ لَقِيَهُ قَبْلَ أَرْبَعَةٍ صَارَ مُقِيمًا وَوَجَبَ عَلَيْهِ إِتْمَامُ الصَّلَاةِ لِأَنَّ سَفَرَهُ قَدِ انْتَهَى بِلِقَائِهِ فَلَمْ يَجُزْ لَهُ الْقَصْرُ بَعْدَ انْتِهَاءِ سَفَرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَلْقَهُ وَلَا رَآهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَقْصُرَهَا تَمَامَ أَرْبَعَةٍ ثُمَّ يُتِمُّ فِيمَا بَعْدُ
وَلَوْ سَافَرَ فِي ضَالَّةٍ لَهُ أَوْ عَبْدٍ آبِقٍ لِيَرْجِعَ أَيْنَ وَجَدَهُ فَبَلَغَ غَايَةً تُقْصَرُ فِي مِثْلِهَا الصَّلَاةُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْصُرَ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ فِي سَفَرِهِ بُلُوغَ هَذِهِ الْغَايَةِ، وَإِنَّمَا عَلَّقَهُ بِوُجُودِ الضَّالَّةِ وَجَعَلَ مَوْضِعَ وُجُودِهَا غَايَةَ سَفَرِهِ وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَجِدَهَا مَعَ السَّاعَاتِ فَصَارَ كَمَنْ سَافَرَ إِلَى مَكَانٍ لَا يُقْصَرُ فِي مِثْلِهِ الصَّلَاةُ، فَإِذَا وَجَدَ ضَالَّتَهُ وَأَرَادَ الرُّجُوعَ إِلَى بَلَدِهِ جَازَ لَهُ الْقَصْرُ إِذَا أَخَذَ فِي الرُّجُوعِ وَكَانَتِ الْمَسَافَةُ يُقْصَرُ فِي مِثْلِهَا الصَّلَاةُ، وَلَكِنْ لَوْ كَانَ حِينَ سَافَرَ فِي طَلَبِ ضَالَّتِهِ وَرَدِّ آبِقِهِ نَوَى الْقَصْرَ إِلَى بَلَدٍ تُقْصَرُ إِلَى مِثْلِهِ الصَّلَاةُ كَانَ لَهُ الْقَصْرُ، فَإِنْ وَجَدَ ضَالَّتَهُ فِي الطَّرِيقِ وَعَزَمَ عَلَى الرُّجُوعِ كَانَ كَالْمُسَافِرِ إِذَا بَدَا لَهُ فِي طَرِيقِهِ مِنْ إِتْمَامِ سَفَرِهِ
فَلَوْ كَانَ سَائِرًا فِي الْبَحْرِ فَمَنَعَتْهُ الرِّيحُ مِنَ الْخُطُوفِ وَالسَّيْرِ حَتَّى رَسَتِ السَّفِينَةُ مَكَانَهَا أَوْ أَقَامَتِ انْتِظَارَ السُّكُونِ لِلرِّيحِ وَإِمْكَانَ السَّيْرِ فَهَذَا فِي حُكْمِ التَّاجِرِ إذا أقام لبيع متاعه أو إنجازه أَمْرِهِ فَلَهُ أَنْ يَقْصُرَ تَمَامَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ كَوَامِلَ وَفِيمَا بَعْدَ الْأَرْبَعِ عَلَى الْأَقَاوِيلِ الثَّلَاثَةِ. وَإِنِ اسْتَقَامَتْ لَهُمُ الرِّيحُ فَسَارَتِ السَّفِينَةُ عَلَى مَكَانِهَا جَازَ لَهُ الْقَصْرُ عِنْدَ ابْتِدَاءِ سَيْرِهَا، فَإِنْ رَجَعَتِ الرِّيحُ فَرَكَدَتْ إِلَى مَوْضِعِهَا الْأَوَّلِ قَصَرَ تَمَامَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، ثُمَّ فِيمَا بَعْدُ على الأقاويل الثلاثة أنه لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَحْبِسَهَا الرِّيحُ فِي الْمَوْضِعِ الْأَوَّلِ أَوْ فِي غَيْرِهِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ على ذلك في " الأم "
: قال الشافعي رضي الله عنه: " فَإِنْ خَرَجَ فِي آخِرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ قَصَرَ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْوَقْتِ لَمْ يَقْصُرْ (قَالَ المزني) أشبه بقوله أن يتم لأنه يقول إن أمكنت المرأة الصلاة فلم تصل حتى حاضت أو أغمي عليها لزمتها وإن لم تمكن لم تلزمها فكذلك إذا دخل عليها وقتها