: قال الشافعي رضي الله عنه: " وكانت هند زوجة لأبي سفيان وكانت القيم عَلَى وَلَدِهَا لِصِغَرِهِمْ بِأَمْرِ زَوْجِهَا فَأَذِنَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَمَّا شَكَتْ إِلَيْهِ أَنْ تَأْخُذَ مِنْ مَالِهِ مَا يَكْفِيهَا وَوَلَدَهَا بِالْمَعْرُوفِ فَمِثْلُهَا الرَّجُلُ يَكُونُ لَهُ الْحَقُّ عَلَى الرَّجُلِ فَيَمْنَعُهُ إِيَّاهُ فَلَهُ أن يأخذ من ماله حيث وجده بوزنه أو كيله فإن لم يكن له مثل كانت قيمته دنانير أو دراهم فإن لم يجد له مالا باع عرضه واستوفى من ثمنه حقه فإن قيل فَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أد إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ " قيل إنه ليس بثابت ولو كان ثابتا لم تكن الخيانة ما أذن بأخذه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وإنما الخيانة أن آخذ له درهما بعد استيفائه درهمي فأخونه بدرهم كما خانني في درهمي فليس لي أن أخونه بأخذ ما ليس لي وإن خانني ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ، فَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ عَلَى مُقِرٍّ وَمَلِيءٍ يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ مِنْهُ مَتَى طَالَبَهُ بِهِ، فَلَا يَجُوزُ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ مَالِ الْغَرِيمِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَإِنْ أَخَذَهُ كَانَ آثِمًا، وَعَلَيْهِ رَدُّهُ، وَإِنْ كَانَ جِنْسَ دَيْنِهِ، لِأَنَّ لِمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ أَنْ يَقْضِيَهُ مِنْ أَيِّ أَمْوَالِهِ شَاءَ، وَلَا يَتَعَيَّنُ فِي بَعْضِهِ، وَيَجْرِي عَلَى مَا أَخَذَهُ حُكْمُ الْغَاصِبِ، عَلَى أَنْ يَرُدَّ مَا أَخَذَهُ، وَلَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِمَا وَجَبَ لَهُ، وَلَا يَكُونُ قِصَاصًا، لِأَنَّ الْقِصَاصَ يَخْتَصُّ بِمَا فِي الذِّمَمِ، دُونَ الْأَعْيَانِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ لَا يَقْدِرَ صَاحِبُ الدَّيْنِ عَلَى قَبْضِ دَيْنِهِ، فَهُوَ ضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَقْدِرَ عَلَى أَخْذِهِ مِنْهُ بِالْمُحَاكَمَةِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَعْجِزَ عَنْهُ.
فَإِنْ عَجَزَ عَنْ أَخْذِهِ مِنْهُ بِالْمُحَاكَمَةِ، وَذَلِكَ مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ: إِمَّا لِامْتِنَاعِ الْغَرِيمِ بِالْقُوَّةِ، وَإِمَّا لِجُحُودِهِ مَعَ عَدَمِ الْبَيِّنَةِ، فَيَجُوزُ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ غَرِيمِهِ