: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِذَا ادَعَى الْأَعَاجِمُ وِلَادَةً بِالشِّرْكِ فَإِنْ جَاؤُونَا مُسْلِمِينَ لَا وَلَاءَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِعِتْقٍ قَبِلْنَا دَعْوَاهُمْ كَمَا قَبِلْنَا مِنْ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَأَصِلُ هَذَا الْبَابِ أَنَّ حِفْظَ الْأَنْسَابِ يَنْقَسِمُ إِلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ يَجِبُ حِفْظُهُ وَتَعْيِينُهُ، وَقِسْمٌ يَجِبْ حِفْظُهُ وَلَا يُجِبْ تَعْيِينُهُ، وَقِسْمٌ لَا يَجِبُ حِفْظُهُ وَلَا تَعْيِينُهُ.
فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: الَّذِي يَجِبُ حِفْظُهُ وَتَعْيِينُهُ فَهِيَ الْأَنْسَابُ الَّتِي يُسْتَحَقُّ بِهَا التَّوَارُثُ، لِقُرْبِهِمَا وضبط عددها، فحفظها بَيْنَ الْمُتَنَاسِبِينَ فِيهَا وَاجِبٌ لَهُمْ، وَعَلَيْهِمْ عَلَى تَفْضِيلِ النَّسَبِ وَتَعْيِينِ الدَّرَجِ، لِأَنَّهَا تُوجِبُ مِنْ حُقُوقِ التَّوَارُثِ لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ وَوِلَايَةُ النِّكَاحِ بِمَا لَا يُوصِلُ إِلَى مَعْرِفَةِ مُسْتَحِقِّهِ، إِلَّا مِنْهُمْ فَلَزِمَهُمْ حِفْظُهُ وَتَعَدُّدُهُ.
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي: وَهُوَ الَّذِي يَجِبُ حِفْظُهُ، وَلَا يُجِبُ تَعْيِينُهُ فَهِيَ الْأَنْسَابُ الْمُتَبَاعِدَةُ عَنِ التَّوَارُثِ، وَتَخْتَصُّ بِأَحْكَامٍ تَأْبَى من عددها، وَهُمْ ذَوُو رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، لِاخْتِصَاصِهِمْ بِسَهْمِ ذِي الْقُرْبَى، وَتَحْرِيمِ الصَّدَقَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ. عَلَيْهِمْ، فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَعْرِفُوا أَنَّهُمْ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، وَمِنْ بَنِي الْمُطَّلِبِ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي الْبُطُونِ الْمُتَمَيِّزَةِ، لِيَكُونُوا مَشْهُورِينَ فِي عَشَائِرِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ لَهُمُ اتِّصَالُ أَنْسَابِهِمْ، لِيُعَرِّفَهُمْ وُلَاةَ الْغِنَى فِي حَقِّهِمْ. مِنْ سَهْمِ ذِي الْقُرْبَى، وَيُعَرِّفَهُمْ وُلَاةَ الصَّدَقَاتِ فِي مَنْعِهِمْ مِنْهَا.
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ: الَّذِي لَا يَجِبُ حِفْظُهُ، وَلَا تَعْيِينُهُ فَهِيَ الْأَنْسَابُ الْمُتَبَاعِدَةُ عَنِ التَّوَارُثِ، وَلَا تَخْتَصُّ بِحُكْمٍ يَأْبَى بِهِ مَنْ عَدَاهَا كَسَائِرِ الْأُمَمِ، وَهَلْ يَلْزَمُهُ إِنْ كَانَ عَرَبِيًّا أَنْ يَعْرِفَ أَنَّهُ مِنَ الْعَرَبِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ مِنِ اخْتِلَافِ الْقَوْلَيْنِ فِي تَمْيِيزِ الْعَرَبِ مِنَ الْعَجَمِ فِي حُكْمِ الِاسْتِرْقَاقِ، فَإِنْ مُيِّزُوا فِيهِ عَنْ غَيْرِهِمْ لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يَعْرِفَ أَنَّهُ مِنْهُمْ كَمَا لَا يَلْزَمُ إِذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ الْعَرَبِ أَنْ يَعْرِفَ أَنَّهُ مِنْ أَيِّ الْأُمَمِ، وَأَيِّ أَجْنَاسِ الْعَالَمِ.
: فَإِذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ فَمَسْأَلَةُ الْكِتَابِ مَقْصُورَةٌ عَلَى الْأَنْسَابِ الَّتِي يَجِبُ