وأما الجواب عن استدلالهم بالولاء تَعْلِيلًا بِالتَّوَارُثِ بِهَا، فَلَيْسَتِ الْأَنْسَابُ مُعْتَبَرَةٌ بِالتَّوَارُثِ لِثُبُوتِ الْأَنْسَابِ مَعَ عَدَمِ التَّوَارُثِ بِالرِّقِّ، وَاخْتِلَافِ الدِّينِ، ثُمَّ الْمَعْنَى فِي الْوَلَاءِ حُدُوثُهُ عَنْ مِلْكٍ، لَا يَمْتَنِعُ فِيهِ الِاشْتِرَاكُ، وَحُدُوثُ النَّسَبِ عَنْ وَطْءٍ وَاحِدٍ، يَمْتَنِعُ فِيهِ الِاشْتِرَاكُ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ، بِأَنَّهُ لَمَّا لَحِقَ بِذَكَرٍ وَأُنْثَى، لَحِقَ بِذَكَرَيْنِ وَأُنْثَى، فَقَدْ تَقَدَّمَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنِ امْتِنَاعِهِ أَنْ يُخْلَقَ مِنْ مَاءٍ بَعْدَ مَاءٍ، مِنْ وَاحِدٍ، أَوِ اثْنَيْنِ.
: وَإِذَا كَانَ أَحَدُ الْوَاطِئَيْنِ زَوْجًا وَطْئِهَا فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ، وَالْآخَرُ أَجْنَبِيًّا، وَطْئِهَا بِشُبْهَةٍ كَانَا فِي اسْتِلْحَاقِ الْوَلَدِ سَوَاءً، وَيُلْحِقُهُ الْقَافَةُ بِأَشْبَهِهِمَا بِهِ، وَقَالَ مَالِكٌ يُلْحَقُ بِالزَّوْجِ مِنْ غَيْرِ قَافَةٍ لِقُوَّتِهِ بِالنِّكَاحِ، وَتَمَيُّزِهِ بِالِاسْتِبَاحَةِ.
وَدَلِيلُنَا: هُوَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَوِ انْفَرَدَ، لَكَانَ الْوَلَدُ لَاحِقًا بِهِ فَوَجَبَ إِذَا اجْتَمَعَا أَنْ يَسْتَوِيَا فِي اسْتِلْحَاقِهِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلُحُوقِهِ.
وَلَيْسَ اخْتِصَاصُ أَحَدِهِمَا بِالِاسْتِبَاحَةِ مُوجِبًا، لِاخْتِصَاصِهِ بِلُحُوقِ الْوَلَدِ كَمَنْ بَاعَ أَمَةً بَعْدَ وَطْئِهَا، وَوَطِئَهَا الْمُشْتَرِي قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا وَجَاءَتْ بِوَلَدٍ يُمْكِنُ لُحُوقُهُ، بِهِمَا اسْتَوَيَا فِي اسْتِلْحَاقِهِ وَأَلْحَقَهُ الْقَافَةُ بِمُشْبِهِهِ.
وَإِنْ كَانَ وَطْءُ الْبَائِعِ مُبَاحًا وَوَطْءُ الْمُشْتَرِي مَحْظُورًا.
(فَصْلٌ)
: فَإِذَا تَقَرَّرَ وُجُوبُ الْحُكْمِ بِالْقِيَافَةِ فِي الْأَنْسَابِ، إِذَا اشْتَبَهَتْ بَعْدَ الِاشْتِرَاكِ فِي أَسْبَابِ لُحُوقِهَا، فَالْكَلَامُ فِيهَا يَشْتَمِلُ عَلَى أَرْبَعَةِ فُصُولٍ:
أَحَدُهَا: صِفَةُ الْقَائِفِ.
وَالثَّانِي: صِفَةُ القيافة.
الثالث: الْمُوجِبُ لَهَا.
وَالرَّابِعُ: نُفُوذُ الْحُكْمِ بِهَا.
فَأَمَّا الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: فِي صِفَةِ الْقَائِفِ، فَيَشْتَمِلُ عَلَى أَرْبَعَةِ شُرُوطٍ، يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ بِهَا قَائِفًا - وَهُوَ: أَنْ يَكُونَ رَجُلًا حُرًّا، عَدْلًا، عَالِمًا، لِأَنَّهُ مُتَرَدِّدُ الْحَالِ بَيْنَ حُكْمٍ، وَشَهَادَةٍ، فَاعْتُبِرَتْ فِيهِ هَذِهِ الشُّرُوطُ الْأَرْبَعَةُ، فَإِنْ كَانَ امْرَأَةً أَوْ عَبْدًا، أَوْ فَاسِقًا أَوْ غَيْرَ عَالِمٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ قَائِفًا. وَعِلْمُهُ ضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: عِلْمُهُ بِالْقِيَافَةِ.
وَالثَّانِي: عِلْمُهُ بِالْفِقْهِ.