ويدل عليه من طريق المعنى، وهو أَنَّ الْحَادِثَةَ فِي الشَّرْعِ، إِذَا تَجَاذَبَهَا أَصْلَانِ حَاظِرٌ وَمُبِيحٌ، لَمْ تُرَدَّ إِلَيْهَا، وَرُدَّتْ إِلَى أَقْوَاهُمَا شَبَهًا بِهَا، كَذَلِكَ فِي اشْتِبَاهِ الْأَنْسَابِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى إِبْطَالِ إِلْحَاقِ الْوَلَدِ يَأْتِي فِي وقول الله تعالى: {يأيها النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} [الحجرات: 13] ، وَهَذَا خِطَابٌ لِجَمِيعِهِمْ فَدَلَّ عَلَى انْتِفَاءِ خَلْقِ أَحَدِهِمْ مِنْ ذَكَرَيْنِ وَأُنْثَى، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّا خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ} [الإنسان: 2] فَمَنَعَ أَنْ يَكُونَ مَخْلُوقًا مِنْ نُطْفَتَيْنِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنْ لَيْسَ فِي سَالِفِ الْأُمَمِ، وَحَدِيثِهَا، وَلَا جَاهِلِيَّةٍ، وَلَا إِسْلَامٍ، أَنْ نَسَبُوا أَحَدًا فِي أَعْصَارِهِمْ، إِلَى أَبَوَيْنِ، وَفِي إِلْحَاقِهِ بِاثْنَيْنِ خَرْقُ الْعَادَاتِ، وَفِي خَرْقِهَا إِبْطَالُ الْمُعْجِزَاتِ، وَمَا أَفْضَى إِلَى إِبْطَالِهَا، بَطَلَ فِي نَفْسِهِ، وَلَمْ يُبْطِلْهَا. وَالْقِيَاسُ، هُوَ أَنَّهُمَا شَخْصَانِ، لَا يَصِحُّ اجْتِمَاعُهُمَا عَلَى وَطْءِ وَاحِدٍ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُلْحَقَ الْوَلَدُ بِهِمَا كَالْحُرِّ مَعَ الْعَبْدِ، وَالْمُسْلِمِ مَعَ الْكَافِرِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَمْتَنِعُ مِنْ إِلْحَاقِهِ بِهِمَا، وَإِنِ اشْتَرَكَا فِي الْوَطْءِ فَيُلْحِقُهُ بِالْحُرِّ دُونَ الْعَبْدِ، وَالْمُسْلِمِ دُونَ الْكَافِرِ، وَالدَّلِيلِ عَلَى إِبْطَالِ خَلْقِهِ مِنْ مَاءَيْنِ مَعَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ نَصِّ الْكِتَابِ شَيْئَانِ:
أَحَدُهُمَا: مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ أُمَمُ الطِّبِّ فِي خَلْقِ الْإِنْسَانِ، أَنَّ عُلُوقَ الْوَلَدِ يَكُونُ حِينَ يَمْتَزِجُ مَاءُ الرَّجُلِ بِمَاءِ الْمَرْأَةِ، ثُمَّ تَنْطَبِقُ الرَّحِمُ عَلَيْهِمَا بعد ذلك [الامتزاج] فَيَنْعَقِدُ عُلُوقُهُ لِوَقْتِهِ، وَلَا يَصِلُ إِلَيْهِ مَاءٌ آخر، من ذلك الواطىء وَلَا مِنْ غَيْرِهِ، وَقَدْ نَبَّهَ اللَّهُ تَعَالَى على قوله تعالى: {فلينظر الإنسان مما خلق خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب} يَعْنِي أَصْلَابَ الرِّجَالِ، وَتَرَائِبِ النِّسَاءِ، وَالتَّرَائِبُ الصُّدُورُ فَاسْتَحَالَ، بِهَذَا خَلْقُ الْوَلَدِ مِنْ مَاءَيْنِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ مِنْ ذَكَرَيْنِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمَّا اسْتَحَالَ فِي شَاهِدِ الْعُرْفِ أَنْ تَنْبُتَ السُّنْبُلَةُ مِنْ حَبَّتَيْنِ، وَتَنْبُتَ النَّخْلَةُ مِنْ نَوَاتَيْنِ، دَلَّ عَلَى اسْتِحَالَةِ خَلْقِ الْوَلَدِ مِنْ مَاءَيْنِ.
فَإِنْ قِيلَ لَمَّا لَمْ يَسْتَحِلْ خَلْقُ الْوَلَدِ مِنْ مَاءِ ذَكَرٍ، وَأُنْثَى، لَمْ يَسْتَحِلْ أَنْ يُخْلَقَ مِنْ مَاءِ ذَكَرَيْنِ وَأُنْثَى.
قِيلَ: قَدْ جَوَّزْتُمْ مَا يَسْتَحِيلُ إِمْكَانُهُ فِي الْعُقُولِ، وَالْعِيَانِ مِنْ إلحاق الولد، بأمين فكيف اعتبرتهم إِنْكَارَ إِلْحَاقِهِ بِأَبَوَيْنِ؟ وَتَعْلِيلُكُمْ بِالْإِمْكَانِ فِي الْأَبَوَيْنِ يُبْطِلُ إِلْحَاقَكُمْ لَهُ بِأُمَّيْنِ، وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ عِنْدَنَا مُسْتَحِيلٌ فِي الْأَبَوَيْنِ، وَالْأُمَّيْنِ، ثُمَّ نَقُولُ مَا اسْتَحَالَ عَقْلًا وَشَرْعًا فِي لُحُوقِ الْأَنْسَابِ. لَمْ يَثْبُتْ بِهِ نَسَبٌ كَابْنِ عِشْرِينَ إِذَا ادَّعَى أَبُوهُ ابْنُ عِشْرِينَ سَنَةً لَمْ يُلْحَقْ لِاسْتِحَالَتِهِ، كذلك ادعاء امرأتين ولد لَمْ يُلْحَقْ بِهِمَا لِاسْتِحَالَتِهِ.
: فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ به