والقول الثالث: يقسم بينهما باستعمالها عَلَى مَا مَضَى.
وَذَكَرَ الرَّبِيعُ قَوْلًا رَابِعًا: إِنَّ تَعَارُضَ الْبَيِّنَتَيْنِ، يُوجِبُ إِبْطَالَ الصَّفْقَتَيْنِ فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْبَيِّعَيْنِ بَاطِلًا كَالْمُتَدَاعِيَيْنِ نِكَاحَ امْرَأَةٍ يُقِيمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا، يُبْطِلُ النِّكَاحَانِ بِتَعَارُضِهِمَا، فَأَنْكَرَ أَصْحَابُنَا هَذَا الْقَوْلَ وَنَسَبُوهُ إِلَى الرَّبِيعِ تَخْرِيجًا لِنَفْسِهِ، وَمَنَعُوا مِنِ اعْتِبَارِهِ بِالنِّكَاحِ، لِوُقُوعِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، بِأَنَّ نِكَاحَ الْمَرْأَةِ، لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ زَوْجَيْنِ، وَشِرَاءُ الدَّارِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ مُشْتَرِيَيْنِ، فَبَطَلَ النِّكَاحَانِ، لِامْتِنَاعِ الشَّرِكَةِ، وَلَمْ يَبْطُلِ الْبَيِّعَانِ مَعَ جَوَازِ الشَّرِكَةِ.
: وَأَمَّا الحالة الثَّالِثَةُ: وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الدَّارُ فِي يَدَيِ الْمُشْتَرِيَيْنِ فَقَدْ تَسَاوَيَا فِي الْيَدِ وَالْبَيِّنَةِ، وَلَمْ يَتَرَجَّحْ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ فِي يَدٍ وَلَا بَيِّنَةٍ. فَإِنْ لَمْ يَتَرَجَّحْ يَدُ أَحَدِهِمَا لَمْ يَتَرَجَّحْ أَيْدِيَهُمَا وَصَارَتْ بَيَّنَتَاهُمَا مُتَعَارِضَتَيْنِ فَيَكُونُ تَعَارُضُهُمَا محمولا على الأقاويل الثلاثة في إسقاطهما وَالْإِقْرَاعِ بَيْنَهُمَا، أَوِ اسْتِعْمَالِهَا، وَإِنْ رَجَّحَتَا يَدَ أَحَدِهِمَا رَجَّحَتَا أَيْدِيَهُمَا، وَصَارَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةَ، دَاخِلٍ فِي النِّصْفِ الَّذِي فِي يَدِهِ، وَبَيِّنَةَ خَارِجٍ فِي النِّصْفِ الَّذِي بِيَدِ صَاحِبِهِ، فَيُجْعَلُ ابْتِيَاعُ الدَّارِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَهَلْ يَحْلِفُ لِصَاحِبِهِ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ وَيَرْجِعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْبَائِعِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ، وَكَانَ خِيَارُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ.
(فصل)
: وأما الحالة الرَّابِعَةُ: وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الدَّارُ فِي يَدِ أَجْنَبِيٍّ، فَلَا تَخْلُو يَدُهُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَحْوَالٍ:
إِحْدَاهَا: أَنْ يَكُونَ نِيَابَةً عَنِ الْبَائِعِ، فَيَكُونُ على ما قدمناه في يد البائع.
والثاني: أن تكون نِيَابَةً عَنْ أَحَدِ الْمُشْتَرِيَيْنِ، فَيَكُونُ عَلَى مَا قدمناه في يد أحدهما.
والثالث: أَنْ يَكُونَ نِيَابَةً عَنْهُمَا، فَيَكُونُ عَلَى مَا قدمناه في أيديهما.
والحالة الرَّابِعَةُ: أَنْ يَكُونَ لِنَفْسِهِ غَيْرُ ثَابِتٍ فِيهَا عَنْ غَيْرِهِ فَلَا تَتَوَجَّهُ الدَّعْوَى عَلَيْهِ فِي الْبَيْعِ، لِأَنَّه مَنْسُوبٌ إِلَى غَيْرِهِ، وَلَا تُوجِبُ بَيِّنَةُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا انْتِزَاعَ الدَّارِ مِنْ يَدِهِ، لِأَنَّ بَيْعَ غَيْرِهِ لِلدَّارِ لَا يَجْعَلُهُ مَالِكًا لَهَا وَصَاحِبُ الْيَدِ أَحَقُّ بِالدَّارِ مِنْ بَائِعِهَا، وَلَا تَتَوَجَهُ عَلَيْهِ مُطَالَبَةُ الْبَائِعِ بِهَا، لِأَنَّ قِيَامَ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ بِالْبَيْعِ يَمْنَعُ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِيهَا حَقٌّ، وَسَقَطَ أَنْ يَكُونَ لِلْبَائِعِ عَلَيْهِ يَمِينٌ وَلَا تَتَوَجَّهُ إِلَيْهِ مُطَالَبَةُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُشْتَرِيَيْنِ بِهَا، لِأَنَّه يَدَّعِي مِلْكَهَا، عَنِ الْبَائِعِ، وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ الْمُطَالَبَةُ بِهَا فَكَانَ أَوْلَى أَنْ لَا يُطَالِبَ بِهَا النَّائِبُ عَنْهُ، فَتَسْقُطُ الْمُطَالَبَةُ عَنْ صَاحِبِ الْيَدِ، لِأَجْلِ الْبَيِّنَةِ، وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَيَرْجِعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُشْتَرِيَيْنِ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ الَّذِي شَهِدَتْ بِهِ بَيِّنَتُهُ، فَإِذَا حُكِمَ بِإِبْطَالِ