فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِحَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَفِيهِ جَوَابَانِ
أَحَدُهُمَا: أَنَّ ظَاهِرَ الْأَحَادِيثِ يَقْتَضِي جَوَازَ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ رَكْعَتَيْنِ، وَهَذَا مُسَلَّمٌ بِإِجْمَاعٍ وَإِنَّمَا تَقُولُ إِنَّ الْمُسَافِرَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَأْتِيَ بِصَلَاةِ السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ أَوْ بِصَلَاةِ الْحَضَرِ أَرْبَعًا
وَالْجَوَابُ الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا: مَا لَا يَجُوزُ النُّقْصَانُ مِنْهُ وَهُوَ رَكْعَتَانِ فِي السَّفَرِ وَأَرْبَعٌ فِي الْحَضَرِ
وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِمَا رَوَاهُ مِنْ قَوْلِهِ: " خَيْرُ عِبَادِ اللَّهِ الَّذِينَ إِذَا سَافَرُوا أَفْطَرُوا وَقَصَرُوا ". فَهَذَا حَدِيثٌ مَوْقُوفٌ عَلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ فَلَمْ يَلْزَمْ، عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ صَحِيحًا لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْفِطْرِ، وَالْقَصْرِ ثُمَّ لَوْ صَامَ جَازَ، كَذَلِكَ إِذَا أَتَمَّ
وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنَ الْإِجْمَاعِ فَخَطَأٌ كَيْفَ يَكُونُ إِجْمَاعًا وَعَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَأَنَسٌ وَابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ خالفوا
أما عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَإِنَّهَا أَتَمَّتْ وَأَمَّا أَنَسٌ فَأَخْبَرَ أَنَّ مَنْ قَصَرَ لَمْ يَعِبْ عَلَى مَنْ أَتَمَّ
وَأَمَّا سَعْدٌ فَلَمْ يَكُنْ يَقْصُرُ فِي سَفَرِهِ
وَأَمَّا ابْنُ مَسْعُودٍ فَرَوَى الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ عَابَ عَلَى عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْإِتْمَامَ بِمِنًى ثُمَّ صَلَّى فَأَتَمَّ. فَقِيلَ لَهُ إِنَّكَ تَعِيبُ عَلَى عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْإِتْمَامَ وَتُتِمُّ فَقَالَ الْخِلَافُ شَرٌّ، فَعُلِمَ أَنَّ إِنْكَارَهُمْ عَلَيْهِ تُرِكَ لِلْأَفْضَلِ لَا الْوَاجِبِ
لِأَنَّ الصَّحَابِيَّ لَا يَتْبَعُ إِمَامَهُ فِيمَا لَا يجوز فعله
وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْجُمُعَةِ. فَالْمَعْنَى فِيهِ: أَنَّهُ لَمَّا لَمْ تَجُزِ الزِّيَادَةُ فِيهَا بِالْإِتْمَامِ وَجَبَ الِاقْتِصَارُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ، وَلَمَّا جَازَ لِلْمُسَافِرِ الزِّيَادَةُ فِيهَا بِالْإِتْمَامِ لَمْ يَجِبِ الِاقْتِصَارُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إِنَّ الزِّيَادَةَ فِيهَا عَلَى رَكْعَتَيْنِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ، فَاقْتَضَى بُطْلَانَ الصَّلَاةِ بِهَا
فَالْجَوَابُ: أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الزِّيَادَةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ غَيْرَ وَاجِبَةٍ لَمْ تُجِبْ عَلَيْهِ الْإِتْمَامَ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُصَلِّيَ الصُّبْحَ خَلْفَ الْمُصَلِّي الظُّهْرِ إِذَا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ سَلَّمَ وَلَمْ يَتْبَعْ إِمَامَهُ فِي الزِّيَادَةِ لِأَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ
وَلَمَّا كَانَ الْمُسَافِرُ يَجِبُ عَلَيْهِ اتِّبَاعُ إِمَامِهِ الْمُقِيمِ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ، عُلِمَ أنها واجبة