وَلَيْسَ عَلَى إِحَاطَةِ عِلْمٍ بِمَا نَفَاهُ عَنْ غَيْرِهِ، لِتَعَذُّرِ التَّوَاتُرِ فِيهِ، وَاسْتِعْمَالِ الْمَظْنُونِ مِنْ أخبار الآحاد، فكانت اليمين فِيهَا بِحَسَبِ مَا أَدَّاهُ إِلَى الْعِلْمِ بِهِمَا، وَهُوَ يَعْلَمُ نَفْيَ فِعْلِهِ قَطْعًا، وَنَفْيَ فِعْلِ غَيْرِهِ ظَنًّا، فَحَلَفَ فِيمَا قَطَعَ بِهِ عَلَى الْبَتِّ، وَفِيمَا اسْتَعْمَلَ فِيهِ غَلَبَةَ الظَّنِّ عَلَى الْعِلْمِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ وَجَبَ إِحْلَافُهُ عَلَى الْبَتِّ، فَأَحْلَفَهُ الْحَاكِمُ عَلَى الْعِلْمِ كَانَتْ يَمِينُهُ غَيْرَ مُجْزِئَةٍ، وَهُوَ فِي الْحُكْمِ بِهَا بِمَثَابَةِ مَنْ لَمْ يَحْلِفْ، وَيَجُوزُ لِلْخَصْمِ أَنْ يَسْتَأْنِفَ الدَّعْوَى عَلَيْهِ عِنْدَ ذَلِكَ الْحَاكِمِ، أَوْ عِنْدَ غَيْرِهِ.
وَلَوْ وَجَبَ إِحْلَافُهُ عَلَى الْعِلْمِ، فَأَحْلَفَهُ الْحَاكِمُ عَلَى الْبَتِّ أَجْزَأَتْ يَمِينُهُ، وَثَبَتَ بِهَا الْحُكْمُ فِيمَا حَلَفَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ يَمِينَ الْبَتِّ أَغْلَظُ، وَيَمِينَ الْعِلْمِ أَخَفُّ، فَجَازَ أَنْ يَسْقُطَ الْأَخَفُّ بِالْأَعْلَى، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْقَطَ الْأَغْلَظُ بِالْأَخَفِّ، وَلَئِنْ حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ فِي مَوْضِعِ العلم، فإنها تؤول بِهِ إِلَى الْعِلْمِ لِامْتِنَاعِ الْقَطْعِ مِنْهُ.
: وَهُوَ مَا تَضَمَّنَهُ الْيَمِينُ مِنْ شُرُوطِ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ، فَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: يَمِينٌ عَلَى النَّفْيِ تَخْتَصُّ بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، يَمِينٌ عَلَى الْإِثْبَاتِ تَخْتَصُّ بِالْمُدَّعِي. فَأَمَّا يَمِينُ النَّفْيِ، فَتَجِبُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى حُكْمِ الدَّعْوَى، وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَضْرُبٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يُدَّعَى عَلَيْهِ دَيْنٌ فِي ذِمَّتِهِ.
والثاني: أن يدعي عليه يمين فِي يَدِهِ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يُدَّعَى عَلَيْهِ دَيْنٌ فِي ذِمَّةِ أَبِيهِ.
وَالرَّابِعُ: أَنْ يُدَّعَى عَلَيْهِ عَيْنٌ فِي يَدِ أَبِيهِ.
فَأَمَّا الضَّرْبُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ أَنْ يُدَّعَى عَلَيْهِ دَيْنٌ فِي ذِمَّتِهِ، فَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى مُطْلَقَةً لَمْ يَقْتَرِنْ بِهَا ذِكْرُ السَّبَبِ كَقَوْلِهِ: لِي عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ، وَلَا يَذْكُرُ سَبَبَ اسْتِحْقَاقِهَا، فَهِيَ دَعْوَى صَحِيحَةٌ. وَلَا يَلْزَمُ سُؤَالُهُ عَنْ سَبَبِهَا، فَإِنْ سَأَلَهُ الْحَاكِمُ كَانَ مُخْطِئًا، وَلَمْ تَلْزَمْهُ إِبَانَةُ السَّبَبِ، لِأَنَّ تَنَوُّعَ الْأَسْبَابِ لَا يُوجِبُ اخْتِلَافَ الْحُقُوقِ، فَتَكُونُ يَمِينُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إِذَا أَنْكَرَهَا عَلَى الْبَتِّ، فَيَقُولُ: وَاللَّهِ مَا لَهُ عَلَيَّ هَذِهِ الْأَلْفُ، وَلَا شَيْءٌ مِنْهَا بِوَجْهٍ، وَلَا سَبَبٍ.
وَقَوْلُهُ: وَلَا شَيْءٌ مِنْهَا، شَرْطٌ مُسْتَحَقٌّ فِي يَمِينِهِ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ عَلَيْهِ بَعْضُهَا، فَهُوَ إِذَا حَلَفَ أَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَيْهِ بَرَّ فِي يَمِينِهِ، وَإِنْ وَجَبَ عَلَيْهِ بَاقِيهَا، وَقَوْلُهُ: " بِوَجْهٍ وَلَا سَبَبٍ " تَأْكِيدًا فَإِنْ أَغْفَلَهُ جَازَ.
وَلَوْ قَالَ: وَاللَّهِ إِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيَّ شَيْئًا كَانَ مُجْزِئًا، وَلَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهِ فِي