وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا} [آل عمران: 77] وَبِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من حلف يمينا فاجرة، ليقتطع مال امرىء مُسْلِمٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ يَلْقَاهُ، وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ ".
فَأَمَّا الْإِحْلَافُ بِالْمُصْحَفِ تَغْلِيظًا، فَقَدْ كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَفْعَلُهُ، وَقَدْ حَكَّاهُ الشَّافِعِيُّ عَنِ بَعْضِ قُضَاتِهِمُ اسْتِحْسَانًا، وَلَيْسَ بِمُسْتَحَبٍّ عِنْدَهُ، وَإِنْ أَجَازَهُ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَنْ كَانَ حَالِفًا، فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ "، وهل يجزىء الْحَلِفُ بِهِ عَنِ الْحَلِفِ بِاللَّهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أحدهما: يجزىء، وَيَسْقُطُ بِهِ وُجُوبَ الْيَمِينِ، لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْحِنْثِ بِهِمَا، وَوُجُوبِ التَّكْفِيرِ فِيهِمَا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يجزىء، وَلَا يَسْقُطُ بِهِ وُجُوبُ الْيَمِينِ، لِأَنَّ مِنَ الفقهاء من لا يُعَلِّقُ عَلَيْهِ حِنْثًا، وَلَا يُوجِبُ بِهِ تَكْفِيرًا.
: فَإِنْ تَرَكَ التَّغْلِيظَ بِمَا وَصَفْنَا انْقَسَمَ تركه ثلاثة أقسام:
أحدها: لا تجزىء الْيَمِينُ بِتَرْكِهِ، وَهُوَ الْعَدَدُ فِيمَا يُسْتَحَقُّ فِيهِ الْعَدَدُ مِنَ الْقَسَامَةِ وَاللِّعَانِ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: مَا تجزىء الْيَمِينُ بِتَرْكِهِ، وَهُوَ الْأَلْفَاظُ الْمُضَافَةُ إِلَى اسْمِ اللَّهِ، تعالى وَمَا سِوَى الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَا اخْتُلِفَ فِي إِجْزَاءِ الْيَمِينِ بِتَرْكِهِ، وَهُوَ التَّغْلِيظُ بِالْمَكَانِ وَالزَّمَانِ، وَفِي إِجْزَائِهَا لِلشَّافِعِيِّ قولان:
أحدهما: تجزىء، كذلك التغليظ باللفظ.
والثاني: لا تجزىء كَتَرْكِ التَّغْلِيظِ بِالْعَدَدِ.
وَفَرَّقَ أَبُو حَامِدٍ الْإِسْفِرَايِينِي بَيْنَ التَّغْلِيظِ بِالْمَكَانِ وَالزَّمَانِ، وَجَعَلَ الْيَمِينَ بِتَرْكِ الزَّمَانِ مُجْزِئَةً وَبِتَرْكِ الْمَكَانِ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَجُمْهُورُ أَصْحَابِنَا عَلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ.
وَيَسْتَوِي فِي تَغْلِيظِ الْيَمِينِ أَنْ يُسْتَحْلَفَ بِهَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إِذَا أَنْكَرَ، أَوْ يُسْتَحْلَفَ بِهَا الْمُدَّعِي إِذَا رُدَّتْ عَلَيْهِ، أَوْ إِذَا أَقَامَ شَاهِدًا، لِيَحْلِفَ مَعَهُ، فَإِنْ كَانَتْ عَلَى الْحَالِفِ يَمِينٌ مُتَقَدِّمَةٌ أَنْ لَا يَحْلِفَ فِي مَكَانِ التَّغْلِيظِ مِنْ مَكَّةَ أَوِ الْمَدِينَةِ وَأَنْ لَا يَحْلِفَ فِي زمان