فَإِذَا بَلَغَ، فَفِي يَمِينِهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَحْلِفُ يَمِينًا وَاحِدَةً عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ لِسَهْمِ نَفْسِهِ، فَيَسْتَحِقُّ بِهَا سَهْمَ أَبِيهِ، وَسَهْمَ نَفْسِهِ إِذَا قِيلَ: إِنَّ عُمُومَتَهُ لَوْ وَرِثُوهُ لَمْ يَحْلِفُوا، فَإِنْ حَلَفَ عَلَى اسْتِحْقَاقِ سَهْمِ أَبِيهِ اسْتَحَقَّهُ؛ وَلَمْ يَسْتَحِقَّ سَهْمَ نَفْسِهِ، لِأَنَّهُ قَدْ يَسْتَحِقُّ سَهْمَ أَبِيهِ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَحْلِفُ يَمِينَيْنِ، وَيَسْتَحِقُّ بِإِحْدَاهُمَا سَهْمَ أَبِيهِ، وَيَسْتَحِقُّ بِالْآخَرِ سَهْمَ نَفْسِهِ، إِذَا قِيلَ: إِنَّ عُمُومَتَهُ لَوْ وَرِثُوهُ حَلَفُوا.
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَلَهُ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ:
الْأُولَى: أَنْ يَحْلِفَ الْيَمِينَيْنِ فَيَسْتَحِقَّ بِهِمَا السَّهْمَيْنِ.
وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَنْكُلَ عَنِ الْيَمِينَيْنِ، فَلَا يَسْتَحِقَّ السَّهْمَيْنِ.
وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَحْلِفَ عَلَى حَقِّ أَبِيهِ، وَلَا يَحْلِفَ عَلَى حَقِّ نَفْسِهِ، فَيَسْتَحِقَّ سَهْمَ أَبِيهِ، وَلَا يَسْتَحِقَّ سَهْمَ نَفْسِهِ، وَيَخْرُجُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ.
وَالْحَالُ الرَّابِعَةُ: أَنْ يَحْلِفَ عَلَى حَقِّ نَفْسِهِ، وَلَا يَحْلِفَ عَلَى حَقِّ أَبِيهِ، فَيَسْتَحِقَّ سَهْمَ نَفْسِهِ، وَيَصِيرَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ، وَلَا يَسْتَحِقَّ سَهْمَ أَبِيهِ، وَيُرَدُّ عَلَى الْإِخْوَةِ الثَّلَاثَةِ.
: فَأَمَّا الْمُزَنِيُّ، فَكَلَامُهُ يَشْتَمِلُ عَلَى فَصْلَيْنِ، قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِمَا:
أَحَدُهُمَا: إِنَّ الْوَقْفَ كَالْعِتْقِ الَّذِي يَزُولُ بِهِ الْمِلْكُ إِلَى غَيْرِ مَالِكٍ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْكَمَ فِيهِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، كَذَلِكَ الْوَقْفُ لَا يُحْكَمُ فِيهِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فَعَلَّقَ عَلَى هَذَا الْفَصْلِ حُكْمَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ جَعَلَ الْوَقْفَ غَيْرَ مَمْلُوكِ الرَّقَبَةِ، وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: هُوَ مَمْلُوكُ الرَّقَبَةِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا تَوْجِيهَ الْقَوْلَيْنِ.
وَالْحُكْمُ الثَّانِي: إِنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا اخْتِلَافَ أَصْحَابِنَا فِيهِ، فَعَلَى قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ لَا يَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ كَالْعِتْقِ، مُوافَقَةً لِلْمُزْنِيِّ فِيهِ.
وَعَلَى قَوْلِ أَبِي الْعَبَّاسِ يَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، بِخِلَافِ الْعِتْقِ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكَا، فَخَالَفَهُ الْمُزَنِيُّ لِمَا ذَكَرَهُ مِنَ الْفَرْقَيْنِ بَيْنَ الْوَقْفِ وَالْعِتْقِ.
وَالْفَصْلُ الثَّانِي: إِنَّ الْإِخْوَةَ الثَّلَاثَةَ إِذَا حَلَفُوا، وَصَارَ بِأَيْمَانِهِمْ وَقْفًا، وَانْتَقَلَ إِلَى غَيْرِهِمْ لَمْ يَحْلِفْ، وَلَا يُرَدُّ سَهْمُ مَنْ نَكَلَ عَلَى الْحَالِفِينَ، لِاعْتِرَافِهِمْ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُمْ فِيهِ، فَعَلَّقَ عَلَى هَذَا الْفَصْلِ حُكْمَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: إِنَّهُ لَا يَحْلِفُ مَنْ دَخَلَ فِي الْوَقْفِ بَعْدَ أَيْمَانِ مَنْ تَقَدَّمَهُ.