عَنْ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صلى فأبصر رجلاً صلى خلف الصف فَأَمَرَهُ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ، وَبِرِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ علي بن شيبان عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَلَّى، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَبْصَرَ رَجُلًا يُصَلِّي خَلْفَ النَّاسِ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: " أَعِدْ صلاتك، فإنه لا صلاة لفذٍّ خَلْفَ الصَّفِّ "
وَالدَّلَالَةُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَكَرْنَاهُ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّهُ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَهُوَ يَلْهَثُ فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَنْ الَّذِي رَكَعَ خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ؟ فَقُلْتُ أَنَا، قَالَ: " زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلَا تُعِدْ " فَلَوْ كَانَ انْفِرَادُهُ قَادِحًا فِي صَلَاتِهِ لَأَمَرَهُ بِالْإِعَادَةِ
فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ نَهَاهُ وَقَالَ: لَا تَعُدْ، قُلْنَا: فِي مَعْنَى نَهْيِهِ ثَلَاثَةُ أَجْوِبَةٍ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ نَهَاهُ عَنِ السَّعْيِ وَاللَّهْثِ، وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يُعِدْ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ صَحَّتْ صَلَاتُهُ خَلْفَ الصَّفِّ مَعَ غَيْرِهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ مُنْفَرِدًا كَالْمَرْأَةِ خَلْفَ الرِّجَالِ
فَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَلِيٍّ فَدَلَالَةٌ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّهُ وَقَفَ عَلَيْهِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ، وَلَوْ كانت باطلة لأمره بالإعادة قبل اتهامها، وأما قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمُنْفَرِدٍ خَلْفَ الصَّفِّ فَغَيْرُ كَامِلَةٍ
: فَأَمَّا إِذَا تَقَدَّمَ الْمَأْمُومُ عَلَى إِمَامِهِ فِي الْمَوْقِفِ فَوَقَفَ قُدَّامَ إِمَامِهِ فَذَلِكَ ضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ بِمَكَّةَ
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: بِغَيْرِهَا فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ مَكَّةَ فَفِي بُطْلَانِ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى إِمَامِهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: قَالَهُ فِي الْقَدِيمِ: صَلَاتُهُ جَائِزَةٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي التَّقَدُّمِ عَلَى الْإِمَامِ أَكْثَرُ مِنْ مُخَالَفَةِ الْمَوْقِفِ الْمَسْنُونِ، وَمُخَالَفَةُ الْمَوْقِفِ الْمَسْنُونِ لَا يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الصَّلَاةِ، كَالْمَأْمُومِ الْوَاحِدِ إِذَا وَقَفَ عَلَى يَسَارِ إِمَامِهِ أَوِ الْجَمَاعَةُ إِذَا وَقَفُوا عَلَى يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ.