شَهَادَتِهِمَا، وَأَنَّ الْجَامَ لِصَاحِبِهِمْ فَنَزَلَتْ فِيهِمْ هَاتَانِ الْآيَتَانِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ، قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " سافروا مع ذوي الجدود والمسيرة ".
وَاخْتُلِفَ فِي حُكْمِ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ، هَلْ هُوَ منسوخ أو ثابت؟ فقال ابن عباس: حكمها مَنْسُوخٌ.
وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: حُكْمُهُمَا ثَابِتٌ، وَقَدْ تَجَاوَزْنَا بِتَفْسِيرِ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ حَدَّ الْجَوَابِ لِيُعْرَفَ حُكْمُهُمَا، وَلَيْسَ مَعَ هَذَا الِاخْتِلَافِ دَلِيلٌ فِيهِمَا، فَإِنِ اسْتَدَلَّ مَنْ نَصَرَ مَذْهَبَ دَاوُدَ بِمَا رَوَاهُ غَيْلَانُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: شَهِدَ رَجُلَانِ نَصْرَانِيَّانِ مِنْ أَهْلِ دَقُوقَاءَ عَلَى وَصِيَّةِ مُسْلِمٍ، وَأَنَّ أَهْلَ الْوَصِيَّةِ أَقَرَّا بِهِمَا أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ، فَاسْتَحْلَفَهُمَا بِاللَّهِ بَعْدَ الْعَصْرِ مَا اشْتَرَيْنَا ثَمَنًا، وَلَا كَتَمْنَا شَهَادَةً بِاللَّهِ، إِنَّا إِذًا، لَمِنَ الْآثِمِينَ، ثُمَّ قَالَ أَبُو مُوسَى، وَاللَّهِ إِنَّ هَذِهِ لَقَضِيَّةٌ مَا قُضِيَ بِهَا مُنْذُ مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَبْلَ الْيَوْمِ.
قِيلَ: هَذَا خِلَافٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ، فلم يحج بَعْضُهُمْ بَعْضًا، لَا سِيَّمَا وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى خِلَافِهِ.
ثُمَّ هَذِهِ قَضِيَّةٌ فِي عَيْنٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لَهَا تَأْوِيلٌ، فَامْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ فِيهَا دَلِيلٌ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِحَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ أَجَازَ شَهَادَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فَهُوَ أَنَّهُ أَرَادَ بِالشَّهَادَةِ اليمين كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} [المنافقون: 2] ، وَكَمَا قَالَ فِي الْمُنَافِقِينَ: {قَالُوا: نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} [المنافقون: 1] أَيْ: نَحْلِفُ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ رَجْمِ الزَّانِيَيْنِ الْيَهُودِيَّيْنِ: فَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يُرْوَ أَنَّهُ قَبِلَ شَهَادَةَ الْيَهُودِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الشُّهُودُ مُسْلِمِينَ، أَوْ حَصَلَ مَعَ شَهَادَةِ الْيَهُودِ اعْتِرَافُ الزَّانِيَيْنِ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِصِحَّةِ وِلَايَتِهِمْ: فَهُوَ أَنَّ الْوِلَايَةَ خَاصَّةٌ فَخَفَّ حُكْمُنَا، لِمَا يُرَاعَى فِيهَا عَدَالَةُ الظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ، وَيُرَاعَى فِي الشَّهَادَةِ عَدَالَةُ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ، فَلِذَلِكَ رُدَّتْ شَهَادَةُ الْكَافِرِ، وَإِنْ صَحَّتْ وِلَايَتُهُ.