تَكُونَ الشَّهَادَةُ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، الَّتِي تُدْرَأُ بِالشُّبَهَاتِ، كَالْحُدُودِ فِي الزِّنَا، وَشُرْبِ الْخَمْرِ فَهُوَ مَنْدُوبٌ إِلَى التَّوَقُّفِ عَنْ تَحَمُّلِهَا، لِقَوْلِ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " هَلَّا سَتَرْتَهُ بِثَوْبِكَ يَا هَزَّالُ ".
وَأَمَّا تَوَقُّفُهُ عَنْ أَدَائِهَا فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ قي تَوَقُّفِهِ إِيجَابُ حَدٍّ عَلَى غَيْرِهِ، كَمَنْ شَهِدَ بِالزِّنَا فَلَمْ تَكْمُلْ شَهَادَتُهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ، وَأَثِمَ بِالتَّوَقُّفِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ لَا يَجِبَ لِتَوَقُّفِهِ حَدٌّ عَلَى غَيْرِهِ، فَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَظْهَرَ مِنَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ نَدَمٌ فِيمَا أَوْجَبَ الْحَدَّ عَلَيْهِ فَالْمَنْدُوبُ إِلَيْهِ أَنْ لَا يُؤَدِّيَ الشَّهَادَةَ عَلَيْهِ، وَلَا يَأْثَمُ بِتَوَقُّفِهِ عَنْهَا.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ عَلَى إِصْرَارِهِ غَيْرَ نَادِمٍ عَلَى فِعْلِهِ، فَالْمَنْدُوبُ إِلَيْهِ أَنْ يُقِيمَ الشَّهَادَةَ، وَيَكُونُ تَوَقُّفُهُ عَنْهَا مَكْرُوهًا وَلَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ، وَإِنَّمَا يَعْصَى بِالتَّوَقُّفِ عَنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ.
: وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَكُونَ فَرْضُ التَّحَمُّلِ عَلَى الْكِفَايَةِ، وَفَرْضُ الْأَدَاءِ عَلَى الْأَعْيَانِ، لِأَنَّهُمْ عِنْدَ التَّحَمُّلِ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ الشَّهَادَةِ فَلَمْ يُخَفَّضِ الْفَرْضُ بِبَعْضِهِمْ، وَصَارَ عَلَى الْكِفَايَةِ، وَهُمْ عِنْدَ الْأَدَاءِ مَقْصُورُونَ عَلَى عَدَدِ الشَّهَادَةِ فَأُخْفِضَ الْفَرْضُ بِهِمْ وَتَعَيَّنَ عَلَيْهِمْ فَيَجْرِي عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حُكْمُهُ فِي اعْتِبَارِ الْكِفَايَةِ فِي التَّحَمُّلِ، وَتَعَيَّنَ الْفَرْضُ فِي الْأَدَاءِ، فَإِنْ مَاتَ أحد شاهدي الْأَدَاءِ وَبَقِيَ الْآخَرُ لَمْ يَخْلُ حَالُ الْمَشْهُودِ من إحدى حالين:
أحدهما: أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا يُحْكَمُ فِيهِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، كَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ، وَجِنَايَةِ الْعَمْدِ فَيَسْقُطُ فَرْضُ الْأَدَاءِ عَنِ الْبَاقِي، لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِ حَقٌّ.
وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَجُوزُ أَنْ يُحْكَمَ فِيهِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، فَلَا يَخْلُو حَالُ الشَّاهِدِ الْمُؤَدِّي وَالْحَاكِمِ الْمَشْهُودِ عِنْدَهُ مِنْ أربعة أحوال:
أحدهما: أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَرَى الْحُكْمَ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، فَيَجِبُ عَلَى الشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ، وَعَلَى الْمَشْهُودِ عِنْدَهُ أَنْ يَحْكُمَ.
وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ لَا يَرَى الْحُكْمَ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، فَلَا يَجِبُ عَلَى الشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ، وَلَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ.
وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ مِمَّنْ يَرَى الْحُكْمَ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، وَالْحَاكِمُ مِمَّنْ لَا يَرَى الْحُكْمَ بِهِ، فَلَا يَجِبُ عَلَى الشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ، لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بشهادته إلزام.