( [القول في إمامة الكافر] )
: قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَإِنِ ائْتَمَّ بكافرٍ ثُمَّ عَلِمَ أَعَادَ، وَلَمْ يَكُنْ هَذَا إِسْلَامًا مِنْهُ وَعُزِّرَ، وَلِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يَكُونُ إِمَامًا بِحَالٍ وَالْمُؤْمِنُ يَكُونُ إِمَامًا فِي الْأَحْوَالِ الظَّاهِرَةِ "
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: هَذَا صَحِيحٌ
إِذَا صَلَّى الْكَافِرُ إِمَامًا أَوْ مَأْمُومًا أَوْ مُنْفَرِدًا فِي مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إِسْلَامًا مِنْهُ
وَقَالَ أبو حنيفة: إِنْ صَلَّى جَمَاعَةً كَانَ ذَلِكَ إِسْلَامًا مِنْهُ إِمَامًا كَانَ أَوْ مَأْمُومًا، وَإِنْ صَلَّى مُنْفَرِدًا فَإِنْ كَانَ فِي مَسْجِدٍ كَانَ ذَلِكَ إِسْلَامًا مِنْهُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إِسْلَامًا مِنْهُ، وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلا اللَّهَ فَعَسَى أولئك أن يكونوا من المهتدين} فَجَعَلَ عِمَارَةَ الْمَسْجِدِ دَلَالَةً عَلَى الْإِيمَانِ، وَلَيْسَتْ عِمَارَةُ الْمَسْجِدِ بُنْيَانَهُ، وَإِنَّمَا عِمَارَتُهُ بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ فِيهِ
وَبِرِوَايَةِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " مَنِ اسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا وَصَلَّى صَلَاتَنَا وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا فَلَهُ مَا لَنَا وَعَلَيْهِ مَا عَلَيْنَا " وَرُوِيَ " فَهُوَ مُسْلِمٌ لَهُ مَا لَنَا وَعَلَيْهِ مَا عَلَيْنَا " وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ، وَالْمَعْنَى فِيهِمَا وَاحِدٌ، وَبِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " مَنْ رَأَيْتُمُوهُ مُلَازِمَ الْمَسْجِدِ فَاشْهَدُوا لَهُ بِالْإِيمَانِ "، وَبِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: أَلَا إِنِّي نُهِيتُ عَنْ قَتْلِ الْمُصَلِّينَ ". فَلَمَّا حَقَنَ دَمَهُ بِالصَّلَاةِ فَيَجِبُ أَنْ يَحْكُمَ بِإِسْلَامِهِ، ويقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " بَيْنَ الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ تَرْكُ الصَّلَاةِ " قَالُوا: وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ يَخْتَصُّ بِهَا الْبَيْتُ أَتَى بِهَا عَلَى كَمَالِهَا فَوَجَبَ أَنْ يَحْكُمَ بِإِسْلَامِهِ قِيَاسًا عَلَى الْأَذَانِ، لِأَنَّ مِنْ سُنَّتِهِ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَقَوْلُهُمْ أَتَى بِهَا عَلَى كَمَالِهَا احْتِرَازًا مِنْ صَلَاةِ الْمُنْفَرِدِ، لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ مِنْ كَمَالِ الصَّلَاةِ، وَلَا يَدْخُلُ عَلَى قِيَاسِهِمُ الْحَجُّ؛ لِأَنَّهُمْ يَجْعَلُونَهُ مُسْلِمًا وَيَسْتَدِلُّونَ بِهِ عَلَى تَقَدُّمِ إِسْلَامِهِ، وَكَذَا الصَّلَاةُ يَسْتَدِلُّونَ بِهَا عَلَى تَقَدُّمِ إِسْلَامِهِ
وَالدَّلَالَةُ عَلَى صحة ما ذهبنا إليه قوله تعالى: {واقتلوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5] فَرَفَعَ حُكْمَ الشِّرْكِ وَاسْتِبَاحَةَ الْقَتْلِ بِالتَّوْبَةِ وَالصَّلَاةِ مَعًا، فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ فِعْلُ الصَّلَاةِ وَحْدَهَا بَاقِيًا عَلَى حُكْمِ الشِّرْكِ حَتَّى تُوجَدَ التَّوْبَةُ، وَهِيَ الشَّهَادَتَانِ