وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَا اخْتَلَفَ عَدَدُ الشَّهَادَةِ فِيهِ وَهُوَ الْإِقْرَارُ بِالزِّنَا، وَفِيهِ لِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: إِنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ شُهُودٍ لَا امْرَأَةَ فِيهِمْ، لِأَنَّهُ مُوجِبٌ لِحَدِّ الزِّنَا كَالشَّهَادَةِ عَلَى فِعْلِ الزِّنَا.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إِنَّهُ يَثْبُتُ بِشَاهِدَيْنِ، لِأَنَّهُ إِقْرَارٌ فَأَشْبَهَ الْإِقْرَارُ بِمَا عَدَاهُ.
: وَالضَّرْبُ الثَّانِي: مَا كَانَ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ، وَهِيَ تَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ تَخْتَلِفُ فِي الْجِنْسِ وَالْعَدَدِ:
أَحَدُهَا: وَهُوَ أَوْسَعُهَا، وَهُوَ مَا يُقْبَلُ فِيهِ شَاهِدَانِ وَشَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ، وَشَاهِدٌ وَيَمِينٌ، وَهُوَ الْمَالُ وَمَا كَانَ مَقْصُودُهُ الْمَالَ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282] وَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: مَا يُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مُنْفَرِدَاتٍ، وَهُوَ الْوِلَادَةُ وَالِاسْتِهْلَالُ وَالرَّضَاعُ، وَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ الرِّجَالُ الْأَجَانِبُ مِنَ الْعُيُوبِ الْمَسْتُورَةِ بِالْعَوْرَةِ، فَيُقْبَلُ فِيهِ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ، وَجَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْوِلَادَةِ قَبُولَ شَهَادَةِ الْقَابِلَةِ وَحْدَهَا، وَالْكَلَامُ مَعَهُ يَأْتِي.
فَإِنْ شَهِدَ بِذَلِكَ شَاهِدَانِ أَوْ شَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ قُبِلَ، لِأَنَّ شَهَادَةَ الرِّجَالِ أَغْلَظُ، وَلَا يُقْبَلُ فيه شاهد ويمين.
والقسم الثاني: مَا يُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ وَلَا يُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ بِحَالٍ، وَهُوَ كُلُّ مَا لم يكن حالا وَلَا الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْمَالَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ الرِّجَالُ الْأَجَانِبُ كَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ، وَالْخُلْعِ، وَالرَّجْعَةِ، وَالْقِصَاصِ، وَالْقَذْفِ، وَالْعِتْقِ وَالنَّسَبِ، وَالْكِتَابَةِ، وَالتَّدْبِيرِ، وَعَقْدِ الْوِكَالَةِ وَالْوَصِيَّةِ، فَلَا يُقْبَلُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ شَهَادَةُ النِّسَاءِ.
وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: أَقْبَلُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ شَهَادَةَ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ إِلَّا فِي الْقِصَاصِ وَالْقَذْفِ اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282] فَكَانَ مَحْمُولًا عَلَى عُمُومِهِ فِي كُلِّ حَقٍّ إِلَّا مَا خَصَّهُ دَلِيلٌ.