وَالضَّرْبُ الثَّانِي: مَا شَرَعَ فِيهِ ثُمَّ مَاتَ أَوْ عُزِلَ قَبْلَ تَمَامِهِ فَيَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: مَا يَجُوزُ لِلثَّانِي أَنْ يَبْنِيَ عَلَى فِعْلِ الْأَوَّلِ حَتَّى يَتِمَّ وَلَا يَلْزَمُهُ اسْتِئْنَافُهُ وَهُوَ كُلُّ مَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُعَادَ وَلَا يُزَادُ.
مِثْلَ: حَدُّ الْقَذْفِ إِذَا عُزِلَ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ بَعْضِهِ وَبَقَاءِ بَعْضِهِ فَيَجُوزُ لِلثَّانِي أَنْ يَبْنِيَ عَلَى فِعْلِ الْأَوَّلِ حَتَّى يَسْتَكْمِلَ بِهِمَا.
وَكَاللِّعَانِ إِذَا عُزِلَ بَعْدَ لِعَانِ الزَّوْجِ أَوْ بَعْضِهِ وَقَبْلَ لِعَانِ الزَّوْجَةِ أَوْ بَعْضِهِ فَيَبْنِي الثَّانِي عَلَى حُكْمِ الْأَوَّلِ وَلَا يَسْتَأْنِفُهُ حَتَّى يَتِمَّ اللِّعَانُ بِهِمَا.
وَكَتَحَالُفِ الْمُتَبَايِعَيْنِ إِذَا اخْتَلَفَا فَيَعْزِلُ بَعْدَ يَمِينِ أَحَدِهِمَا وَقَبْلَ يَمِينِ الْآخَرِ، فَيَبْنِي الثَّانِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ إِحْلَافِ الْأَوَّلِ وَلَا يَسْتَأْنِفُ التَّحَالُفَ.
وَكَالْأَيْمَانِ فِي الْقِسَامَةِ إِذَا عُزِلَ وَقَدْ حَلَفَ الْمُقْسِمُ بَعْضَ الْأَيْمَانِ وَبَقِيَ بَعْضُهَا فَيَبْنِي الثَّانِي عَلَى إِحْلَافِ الْأَوَّلِ حَتَّى يَسْتَكْمِلَ الْأَيْمَانَ وَلَا يَسْتَأْنِفَهَا إِلَى نَظَائِرِ هَذَا.
وَهَذَا الْبِنَاءُ مُعْتَبَرٌ بِتَصَادُقِ الْخَصْمَيْنِ، أَوْ بِقِيَامِ الْبَيِّنَةِ إِنْ تَكَاذَبَا.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: مَا يَسْتَأْنِفُهُ الثَّانِي وَلَا يَبْنِي عَلَى حُكْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ كُلُّ مَا كَانَ الْفِعْلُ فِيهِ مُقْتَرِنًا بِالْحُكْمِ.
مِثْلَ حُكْمِهِ بِفَسْخِ النِّكَاحِ بِإِعْسَارِ الزَّوْجِ وَلَا يَفْسَخُهُ حَتَّى يَعْزِلَ، فَلَيْسَ لِلثَّانِي فَسْخُهُ بِحُكْمِ الْأَوَّلِ حَتَّى يَسْتَأْنِفَ الْحُكْمَ.
وَكَمَا لَوْ حَكَمَ بِبَيْعِ مَالِ الْمُفْلِسِ ثُمَّ عُزِلَ قَبْلَ بَيْعِهِ لَمْ يَكُنْ لِلثَّانِي بَيْعُهُ بِحُكْم الْأَوَّل حَتَّى يَسْتَأْنِفَ الْحُكْمَ بِهِ.
وَكَمَا لَوْ أَذِنَ لِوَلِّيِ يَتِيمٍ فِي بَيْعِ مَالِهِ فِي مَصَالِحِهِ فَلَمْ يَبِعْهُ الْوَلِيُّ، حَتَّى عُزِلَ، مُنِعَ مِنَ الْبَيْعِ حَتَّى يَسْتَأْنِفَ الثَّانِي الْإِذْنَ فِيهِ.
وَكَمَا لَوْ حَكَمَ بِشُفْعَةِ الْجِوَارِ وَلَمْ يُسَلِّطِ الشَّفِيعُ عَلَى الْأَخْذِ حَتَّى عَزَلَ، فَلَيْسَ لِلثَّانِي تَسْلِيطُهُ بِحُكْمِ الْأَوَّلِ حَتَّى يَسْتَأْنِفَ الْحُكْمَ بِالشُّفْعَةِ وَالتَّسْلِيطِ إِلَى نَظَائِرِ هَذَا.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَا اخْتَلَفَتْ أَحْوَالُهُ فِي الْبِنَاءِ وَالِاسْتِئْنَافِ، وَهُوَ سَمَاعُ البينة، وله في العزل بعد سماعها ثلاثة أَحْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَسْمَعَهَا وَلَا يَحْكُمَ بِقَبُولِهَا حَتَّى يَعْزِلَ فَلَا يَجُوزُ لِلثَّانِي أَنْ يَحْكُمَ بِقَبُولِهَا بِسَمَاعِ الْأَوَّلِ حَتَّى يَسْتَأْنِفَ الشَّهَادَةَ.
فَإِنْ قِيلَ أَفَلَيْسَ يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَكْتُبَ بِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ حَتَّى يَحْكُمَ الْمَكْتُوبُ إِلَيْهِ بِقَبُولِهَا وَإِنْفَاذِ الْحُكْمِ بِمَا تَضَمَّنَهَا فَهَلَا كَانَ الثَّانِي بَعْدَ الأول بمثابته؟ .