وَلَا يَبْلُغُ بِتَعْزِيرِهِ أَرْبَعِينَ وَغَايَتُهُ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ سَوْطًا لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا يُبْلَغُ بِالْحَدِّ فِي غَيْرِ حَدٍّ "، وَرُوِيَ عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " مَنْ بَلَغَ مَا لَيْسَ بِحَدٍّ حَدًّا فَهُوَ مِنَ الْمُعْتَدِينَ ".
وَلَا وَجْهَ لِمَا قَالَ مَالِكٌ، مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَزِيدَ فِي التَّعْزِيرِ عَلَى أَكْثَرِ الْحُدُودِ.
وَلَا وَجْهَ لِمَا قَالَهُ ابْنُ أَبِي لَيْلَى أَنَّهُ لَا يَبْلُغُ بِهِ الْمِائَةَ، وَيَجُوزُ بِمَا دُونَهَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَبْلُغُ بِهِ ثَمَانِينَ، وَيَجُوزُ فِيمَا دُونَهَا.
وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَبْلُغُ بِهِ الْأَرْبَعِينَ وَيَجُوزُ بِمَا دُونَهَا. لِأَنَّ الْأَرْبَعِينَ حَدُّ الْخَمْرِ فِي الْحُرِّ فَكَانَ غَايَةُ تَعْزِيرِ الْحُرِّ تِسْعَةً وَثَلَاثِينَ.
ثُمَّ هَذِهِ الْغَايَةُ لَا يَجِبُ اسْتِعْمَالُهَا فِي كُلِّ مُعَزَّرٍ، لِأَنَّ التَّعْزِيرَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ حَالِ الْمُعَزَّرِ وَيَكُونُ مَوْقُوفًا عَلَى الِاجْتِهَادِ فَمَنْ أَدَّى الِاجْتِهَادُ إِلَى تَعْزِيرِهِ بِالضَّرْبِ اجْتُهِدَ فِي عَدَدِهِ، فَإِنْ أَدَّى الاجتهاد إلى تعزيرها بِعَشَرَةِ أَسْوَاطٍ لَمْ يَزِدْهُ عَلَيْهَا، وَإِنْ أَدَّى الِاجْتِهَادُ إِلَى تَعْزِيرِهِ بِالْحَبْسِ لَمْ يَعْدِلْ بِهِ إِلَى الضَّرْبِ، وَإِنْ أَدَّى الِاجْتِهَادُ إِلَى تَعْزِيرِهِ بِالْقَوْلِ وَالزَّجْرِ، لَمْ يَعْدِلْ بِهِ إِلَى ضَرْبٍ وَلَا حَبْسٍ وَقَدِ اسْتَوْفَيْنَا حُكْمَ التَّعْزِيرِ فِي بابه.
وَالْحُكْمُ الثَّالِثُ: إِشْهَارُ أَمْرِهِ.
لِرِوَايَةِ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " اذْكُرُوا الْفَاسِقَ بِمَا فِيهِ يَحْذَرُهُ النَّاسُ ".
وَلِأَنَّ فِي الشُّهْرَةِ زَجْرًا لَهُ وَلِغَيْرِهِ عَنْ مِثْلِهِ.
وَإِشْهَارُ أَمْرِهِ، أَنْ يُنَادَى عَلَيْهِ، إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ مَسْجِدٍ عَلَى بَابِ مَسْجِدِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ سُوقٍ فِي سُوقِهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَبِيلَةٍ فِي قَبِيلَتِهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَبِيلٍ فِي قَبِيلِهِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْقَبِيلَةِ وَالْقَبِيلِ: أَنَّ الْقَبِيلَةَ بَنُو الْأَبِ الْوَاحِدِ وَالْقَبِيلَ: الْأَخْلَاطُ الْمُجْتَمِعُونَ مِنْ آبَاءٍ شَتَّى.
فَيَقُولُ فِي النِّدَاءِ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ: إِنَّا وَجَدْنَا هَذَا شَاهِدَ زُورٍ فَاعْرِفُوهُ.
وَلَا يُزَادُ فِي هَذِهِ الشُّهْرَةِ تَسْوِيدُ وَجْهِهِ وَلَا حَلْقُ شَعْرِهِ ولا ندائه بِذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ.
وَقَالَ شُرَيْحٌ: يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فِي شُهْرَتِهِ وَهَذِهِ مُثْلَةٌ نَكْرَهُهَا لنهي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَنْهَا.
فَإِنْ كَانَ هَذَا الشَّاهِدُ بِالزُّورِ مِنْ ذَوِي الصِّيَانَةِ فَقَدْ حُكِيَ عَنِ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ يُصَانُ عَنْ هَذَا النِّدَاءِ وَيُقْتَصَرُ منه على إشاعة أمره ليقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ ".