بِهَا فَيُعْلِمُهُ الْقَاضِي مَا ثَبَتَ عِنْدَهُ بِالْبَيِّنَةِ وَيُعَرِّفُهُ أَسْمَاءَ الشُّهُودِ وَأَنْسَابَهُمْ وَيَطْرُدُهُ جَرْحُهُمْ وَهَذَا قَوْلُ مَنْ مَنَعَ مِنْ سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْحَاضِرِ قَبْلَ جَوَابِهِ عَنِ الدَّعْوَى.
وَفِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَيَطْرُدُهُ جَرْحَهُمْ تَأْوِيلَانِ مُتَضَادَّانِ:
أَحَدُهُمَا: مَعْنَاهُ يُمْهِلُهُ وَيُؤَخِّرُهُ، حَتَّى يُقِيمَ بَيِّنَةً بِجَرْحِهِمْ.
وَالثَّانِي: بَلْ مَعْنَاهُ يُضَيِّقُ عَلَيْهِ وَلَا يُؤَخِّرُهُ.
وَعَلَى كِلَا التَّأْوِيلَيْنِ لَا بُدَّ أَنْ يُمْهِلَهُ قَدْرَ مَا يُمْكِنُهُ إِقَامَةَ الْبَيِّنَةِ الْحَاضِرَةِ بِجَرْحِهِمْ وَلَا يَزِيدُهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِتَطَاوُلِ الزَّمَانِ بِمَا زَادَ عَلَيْهَا وَيَجْتَهِدُ رَأْيَهُ فِيمَا دُونَ الثَّلَاثِ بِحَسَبِ الْحَالِ وَعِظَمِ الْبَلَدِ وَصِغَرِهِ.
فَإِذَا قَدَّرَ لَهُ مُدَّةً أَنْظَرَهُ بِهَا فَلَمْ يَأْتِ فِيهَا بِالْبَيِّنَةِ عَلَى الْجَرْحِ أَنْفَذَ الْحُكْمَ عَلَيْهِ بِالشَّهَادَةِ.
وَإِنْ أَتَى بِالْبَيِّنَةِ فِي مُدَّةِ إِنْظَارِهِ بِجَرْحِ الشُّهُودِ بَعْدَ ثُبُوتِ عَدَالَتِهِمْ سَأَلَ شُهُودَ الْجَرْحِ عَنْ زَمَانِهِ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو جَوَابُهُمْ مِنْ ثلاثة أَحْوَالٍ:
إِحْدَاهَا: أَنْ يَشْهَدُوا بِجَرْحِهِمْ فِي زَمَانِ شَهَادَتِهِمْ فَهَذَا مُوجِبٌ لِإِسْقَاطِهَا، وَإِبْطَالِ الْحُكْمِ بِهَا، لِأَنَّ بَيِّنَةَ الْجَرْحِ أَثْبَتُ مِنْ بَيِّنَةِ التَّعْدِيلِ سَوَاءٌ كَانَ الْقَاضِي قَدْ أَنْفَذَ الْحُكْمَ بِشَهَادَتِهِمْ أَوْ لَمْ يُنْفِذْ.
وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَشْهَدُوا بِجَرْحِهِمْ قَبْلَ زَمَانِ شَهَادَتِهِمْ، فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الزَّمَانَيْنِ مِنَ التَّطَاوُلِ مَا يَصْلُحُ فِيهِ حَالُ الْمَجْرُوحِ فَلَا يُوجِبُ سُقُوطَ شَهَادَتِهِمْ وَتَكُونُ بَيِّنَةُ التَّعْدِيلِ أَوْلَى.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَقْصُرَ مَا بَيْنَ الزَّمَانَيْنِ عَنْ أَنْ يَصْلُحَ فِيهِ حَالُ الْمَجْرُوحِ فَيَجِبُ سُقُوطُ شَهَادَتِهِمْ وَتَكُونُ بَيِّنَةُ الْجَرْحِ أَوْلَى.
وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَشْهَدُوا بِجَرْحِهِمْ بَعْدَ زَمَانِ شَهَادَتِهِمْ، فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْجَرْحُ بَعْدَ نُفُوذِ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِمْ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ مَا حَدَثَ بَعْدَهُ مِنْ جَرْحِهِمْ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْجَرْحُ بَعْدَ شَهَادَتِهِمْ وَقَبْلَ نُفُوذِ الْحُكْمِ بِهَا فَيَتَوَقَّفُ عَنْ إِنْفَاذِ الْحُكْمِ بِشَهَادَةِ مَجْرُوحِينَ.
فَأَمَّا إِنِ ادَّعَى الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ قَضَاءَ الدَّيْنِ كَانَ تَصْدِيقًا لِلشَّهَادَةِ فَلَمْ تُسْمِعْ مِنْهُ بَيِّنَةُ الْجُرْحِ وَطُولِبَ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى الْقَضَاءِ.
فَإِنْ أَقَامَهَا، سَقَطَ الْحَقُّ عَنْهُ، وَإِنْ عَدِمَهَا أَحْلَفَ الشُّهُودَ لَهُ وَحَكَمَ لَهُ بِالْحَقِّ.