فَإِنْ كَانَتِ الدَّارُ فِي يَدِ الْمُدَّعِي، لَمْ تَصِحَّ الدَّعْوَى إِلَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ لَهُ بِهَا حَقٌّ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، مِنْ أُجْرَةِ سُكْنَاهَا، أَوْ قِيمَةِ مُسْتَهْلَكٍ مِنْهَا.
فَإِنْ قَالَ وَقَدْ نَازَعَنِي فِيهَا لَمْ تَصِحَّ، لِأَنَّ الْمُنَازَعَةَ دَعْوَى تَكُونُ مِنْ غَيْرِهِ لَا مِنْهُ.
وَإِنْ قَالَ قَدْ عَارَضَنِي فِيهَا بِغَيْرِ حَقٍّ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي صِحَّةِ هَذِهِ الدَّعْوَى.
فَقَالَ أَبُو حَامِدٍ تَصِحُّ هَذِهِ الدَّعْوَى، وَيَسْأَلُ الْخَصْمُ عَنْهَا، لِأَنَّ فِي الْمُعَارَضَةِ رَفْعُ يَدِ مُسْتَحِقِّهِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تَصِحُّ هَذِهِ الدَّعْوَى، حَتَّى يَصِفَ الْمُعَارَضَةَ بِمَا تَصِحُّ بِهِ الدَّعْوَى.
الضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى فِيمَا يُنْقَلُ، فَهِيَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ فِي الذِّمَّةِ.
فَقَدْ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: ثَمَنٌ، وَأُجْرَةٌ، وقرض وقيمة متلف وعقل سلم.
وَلَفْظُ الدَّعْوَى فِيهِ أَنْ يَقُولَ: لِي عَلَيْهِ، وَلَا يَقُولُ لِي بِيَدِهِ.
فَإِنْ قَالَ: " لِي عِنْدَهُ "، جَازَ عِنْدَنَا، وَلَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَإِنَّمَا جَوَّزْنَاهُ لِأَنَّ عِنْدَ قَدْ تُسْتَعْمَلُ فِي مَوْضِعِ عَلَى اتِّسَاعًا.
وَهُوَ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَذْكُرَ سَبَبَ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ أَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ الْخَمْسَةِ أَوْ لَا يَذْكُرَهُ، بَعْدَ أَنْ يَصِفَ مَا يَدَّعِيهِ فِي الذمة، بما ينفيه عَنْهُ الْجَهَالَةَ.
فَإِنْ كَانَ مِنْ سَلَمٍ اسْتَوْفَى أَوْصَافَ السَّلَمِ كُلَّهَا.
وَإِنْ كَانَ مِنْ ثَمَنِ، أَوْ أُجْرَةٍ، أَوْ قِيمَةِ مُتْلَفٍ، صَارَ مَعْلُومًا بِأَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ: ذِكْرُ قَدْرِهِ، وَذِكْرُ جِنْسِهِ، وَذِكْرُ نوعه، وذكر صفته.
فالقدر: أن يقول: أَلْفٌ أَوْ مِائَةٌ.
وَالْجِنْسُ: أَنْ يَقُولَ: دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ.
وَالنَّوْعُ: أَنْ يَقُولَ فِي الدَّرَاهِمِ: بِيضٌ أَوْ سُودٌ، وَفِي الدَّنَانِيرِ مَشْرِقِيَّةٌ أَوْ مَغْرِبِيَّةٌ، وَإِنْ نُسِبَتْ إِلَى طَابَعٍ ذَكَرَ الطَّابِعَ، لَا سِيَّمَا إِذَا اخْتَلَفَتْ بِهِ الْقِيمَةُ.
وَالصِّفَةُ: أَنْ يَقُولَ: عُتُقٌ أَوْ جُدُدٌ، صِحَاحٌ أَوْ كُسُورٌ، فَإِنْ لَمْ يَخْتَلِفْ عُتُقُهَا وَجُدُدُهَا، وَلَا صِحَاحُهَا وَكُسُورُهَا، لَمْ يَلْزَمْهُ ذِكْرُ هَذِهِ الصِّفَةِ.