لَمْ يَجِبْ إِثْبَاتُهَا إِلَّا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِظْهَارِ وَإِنْ جَازَ أَنْ يَنْسَى مِثْلَهَا وَوَجَبَ عَلَيْهِ إثباتها ليتذكر بخطه ما حكم وألزم لأنه كَفِيلٌ لِيَحْفَظَ الْحُقُوقَ عَلَى أَهْلِهَا فَالْتَزَمَ بِذَلِكَ مَا يَؤُولُ إِلَى حِفْظِهَا.
وَإِنْ سَأَلَهُ الْخَصْمُ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ مَا حَكَمَ بِهِ لِيَكُونَ حُجَّةً بِيَده فَالَّذِي يَكْتُبُهُ الْقَاضِي كِتَابَانِ:
أَحَدُهُمَا: مَحْضَرٌ.
وَالثَّانِي: سِجِلٌّ.
وَالْمَحْضَرُ: حِكَايَةُ الْحَالِ، وَالسِّجِلِّ حِكَايَةُ الْمَحْضَرِ، مَعَ زِيَادَةِ إِنْفَاذِ الْحُكْمِ بِهِ.
وَالَّذِي يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ الْمَحْضَرُ مِنْ حِكَايَةِ الْحَالِ يَتَضَمَّنُ أَرْبَعَةَ فُصُولٍ:
أَحَدُهَا: صِفَةُ الدَّعْوَى، بَعْدَ تَسْمِيَةِ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ.
وَالثَّانِي: مَا يَعْقُبُهَا مِنْ جَوَابِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنَ الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ.
وَالثَّالِثُ: حِكَايَةُ شَهَادَةِ الشُّهُودِ عَلَى وَجْهِهَا فَإِنْ حَكَى شَهَادَةَ أَحَدِهِمَا وَإِنَّ الْآخَرَ شَهِدَ بِمِثْلِ شَهَادَتِهِ جَازَ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَهُ الشَّاهِدُ في أدائه ونكره فِي الْمَحْضَرِ لَمَنَعْنَا مِنْهُ فِي الْأَدَاءِ.
وَالرَّابِعُ: ذِكْرُ التَّارِيخِ فِي يَوْمِ الْحُكْمِ مِنْ شَهْرِهِ وَسَنَتِهِ، وَلَوْ ضَمَّ إِلَيْهِ ذِكْرَ مَا أَدَّاهُ الشُّهُودُ مِنْ تَارِيخِ التَّحَمُّلِ كَانَ حَسَنًا وَإِنْ تَرَكَهُ قُضَاةُ زَمَانِنَا.
وَأَمَّا السِّجِلُّ فَيَتَضَمَّنُ سِتَّةَ فُصُولٍ:
أَحَدُهَا: تَصْدِيرُهُ بِحِكَايَةِ إِشْهَادِ الْقَاضِي بِجَمِيعِ مَا فِيهِ.
وَالثَّانِي: حِكَايَةُ مَا تَضَمَّنَهُ الْمَحْضَرُ مِنَ الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ.
وَالثَّالِثُ: حِكَايَةُ إِمْهَالِ الْقَاضِي الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ لِيَأْتِيَ بِحُجَّةٍ يَدْفَعُ بِهَا مَا شَهِدَ عَلَيْهِ فَعَجَزَ عَنْهَا وَلَمْ يَأْتِ بِهَا.
وَالرَّابِعُ: إِمْضَاءُ الْحُكْمِ لِلْمَشْهُودِ لَهُ وَإِلْزَامُهُ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ بَعْدَ مَسْأَلَةِ الْحَاكِمِ.
وَالْخَامِسُ: إِشْهَادُ الْقَاضِي عَلَى نَفْسِهِ بِمَا حَكَمَ بِهِ وَأَمْضَاهُ مِنْ ذَلِكَ.
وَالسَّادِسُ: تَارِيخُ يَوْمِ الْحُكْمِ وَالتَّنْفِيذِ.
فَإِذَا اسْتَكْمَلَ السِّجِلَّ بِهَذِهِ الْفُصُولِ السِّتَّةِ، بِالْأَلْفَاظِ الْمَعْهُودَةِ فِيهِ، جَعَلَهُ عَلَى نُسْخَتَيْنِ عَلَّمَ الْقَاضِي فِيهِمَا بِعَلَامَتِهِ الْمَأْلُوفَةِ بِخَطِّهِ لِيَتَذَكَّرَ بِهَا حُكْمَهُ إِذَا عَرَضَ عَلَيْهِ وَأَشْهَدَ فِيهِمَا عَلَى نَفْسِهِ، وَسَلَّمَ إِحْدَاهُمَا لِلْمَحْكُومِ لَهُ وَوَضَعَ الْأُخْرَى فِي دِيوَانِهِ حُجَّةً يُقَابِلُ بِهَا سِجِلَّ الْخَصْمِ إِنْ أَحْضَرَهُ مِنْ بَعْدُ، وَلَا يَحْتَاجُ مَعَ نُسْخَةِ السِّجِلِّ الْمَوْضُوعَةِ فِي دِيوَانِهِ إِلَى إِثْبَاتِ مَا حَكَمَ بِهِ فِي دِيوَانِهِ وَأَغْنَاهُ السِّجِلُّ عَنْ إِثْبَاتِهِ وَلَوِ اسْتَظْهَرَ بِإِثْبَاتِ اسْمِ السِّجِلِّ فِيهِ كَانَ أحوط.