فَإِنْ تَرَاضَوْا بِهَا حَمَلُوا فِي الْعَدَدِ عَلَى مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ مِنْ وَاحِدٍ أَوِ اثْنَيْنِ كَمَا حَمَلُوا فِيهِ عَلَى اخْتِيَارِهِمْ لِلْقَاسِمِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُخْتَارًا وَلَا يَقْبَلُ الْحَاكِمُ قَوْلَ هَذَا الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَائِبٍ عَنْهُ وَلَا يَسْمَعُ شَهَادَتَهُ؛ لِأَنَّهُ شَاهِدٌ عَلَى فِعْلِهِ.
وَإِنْ أَمَرَ الْحَاكِمُ بِالْقِسْمَةِ وَخَرَجَتْ عَنْ حُكْمِ الِاخْتِيَارِ فَفِي الْقِسْمَةِ تَعْدِيلٌ وَحُكْمٌ وَالتَّعْدِيلُ مُعْتَبَرٌ بِاثْنَيْنِ كالتقويم ولا يعول في التقويم إلى عَلَى قَوْلِ مُقَوِّمَيْنِ وَالْحُكْمُ فِيهِ قَوْلٌ وَاحِدٌ كَالْحَاكِمِ.
فَيُنْظَرُ فِي الْقِسْمَةِ: فَإِنْ كَانَ فِيهَا تَعْدِيلٌ وَتَقْوِيمٌ لَمْ يُجْزِئْ فِيهَا أَقَلُّ مِنْ قَاسِمَيْنِ.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا تَعْدِيلٌ وَلَا تَقْوِيمٌ فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مَوْضِعِ أَمر الْحَاكِم الشُّرَكَاء إِنْ يَجْتَمِعُوا عَلَى قَاسِمَيْنِ، فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ قَاسِمٌ وَاحِدٌ.
وَقَالَ فِي غَيْرِهِ إِنَّ الْقَاسِمَ حَاكِمٌ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُجْزِئُ قَاسِمٌ وَاحِدٌ.
وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا كَمَا اخْتَلَفُوا فِي الْخَرْصِ فَخَرَّجَهُ أَكْثَرُهُمْ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يُجْزِئُ قَاسِمٌ وَاحِدٌ، كَمَا يُجْزِئُ كَيَّالٌ واحد، ووزان واحد.
والقول الثاني: لا أنه يُجْزِئُ أَقَلُّ مِنْ قَاسِمَيْنِ، كَمَا لَا يُجْزِئُ أَقَلُّ مِنْ مُقَوِّمَيْنِ، وَكَمَا لَا يُجْزِئُ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ أَقَلُّ مِنْ مُجْتَهِدَيْنِ وَلَا يَمْتَنِعُ إِذَا كَانَ الْقَاسِمُ كَالْحَاكِمِ أَنْ يَجْمَعَ فِيهِ بَيْنَ اثْنَيْنِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} .
وَقَالَ آخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا: لَيْسَ ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى اخْتِلَافِ حَالَيْنِ: وَهُوَ إِنْ كَانَ فِي الشُّرَكَاءِ طِفْلٌ، أَوْ غَائِبٌ، لَا يُجِيبُ عَنْ نَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ أَقَلُّ مِنْ قَاسِمَيْنِ، وَإِنْ كَانُوا حُضُورًا يُجِيبُونَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ أَجْزَأَ قَاسِمٌ وَاحِدٌ، وَيَقْبَلُ الْحَاكِمُ قَوْلَ القاسم ها هنا، لِاسْتِنَابَتِهِ لَهُ كَمَا يَقْبَلُ قَوْلَ خُلَفَائِهِ فَإِنْ جَازَتْ بِقَاسِمٍ وَاحِدٍ قِيلَ فِيهَا قَوْلُ الْوَاحِدِ، وَإِنْ لَمْ تَجُزْ إِلَّا بِقَاسِمَيْنِ لَمْ يَقْبَلْ قول الواحد وقبل قول الاثنين.
وأما أجرة القسام فللمقتسمين فيها أربعة أَحْوَالٍ:
إِحْدَاهَا: أَنْ يَتَّفِقُوا فِيهَا عَلَى أُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ، فَلَيْسَ لَهُ غَيْرُهَا وَلَا عَلَيْهِمْ أَكْثَرُ مِنْهَا.
وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَتَّفِقُوا عَلَى التَّطَوُّعِ بِالْقِسْمَةِ فَلَا أُجْرَةَ لِلْقَاسِمِ.
وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَتَّفِقُوا عَلَى أُجْرَةٍ مَجْهُولَةٍ، أَوْ أُجْرَةٍ فَاسِدَةٍ، فَتَكُونُ لِلْقَاسِمِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ.
وَالْحَالُ الرَّابِعَةُ: أَنْ لَا يَجْرِيَ لِلْأُجْرَةِ ذِكْرٌ، فَلَا يَكُونُ مِنَ الْمُقْتَسِمَيْنِ بَذْلٌ، وَلَا مِنَ الْقَاسِمِ طَلَبٌ، فَيَنْظُرُ فِي الْقِسْمَةِ، فَإِنْ كَانَ الْحَاكِمُ قَدْ أَمَرَ بِهَا، وَجَبَ لِلْقَاسِمِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ.