زَائِدَةٍ فِي مَوْضِعٍ مِنْ يَدِهِ أَوْ كَانَ مَشْهُورًا مِنْ عَبِيدِ السُّلْطَانِ لَا يَشْرَكُهُ غَيْرُهُ فِي اسْمِهِ وَمَنْزِلَتِهِ وَصِفَتِهِ، جَازَ الْحُكْمُ بِشَهَادَتِهِمْ مَعَ غَيْبَتِهِ، وَإِنْ شَابَهَ عُمُومَ النَّاسِ فِي صِفَتِهِ وَنَعْتِهِ لَمْ يُحْكَمْ فِيهِ بِالشَّهَادَةِ إِلَّا مَعَ التَّعْيِينِ وَالْإِشَارَةِ، وَأَجْرَى ذَلِكَ مَجْرَى الْأَنْسَابِ فِيمَنْ غَابَ، إِذَا رُفِعَتْ، حَتَّى تَرَاخَتْ وَزَالَ الِاشْتِرَاكُ فِيهَا حُكِمَ فِيهَا بِالشَّهَادَةِ وَإِنْ قَرُبَتْ حَتَّى اشْتَبَهَ الِاشْتِرَاكُ فِيهَا، لَمْ يُحْكَمْ بِالشَّهَادَةِ إِلَّا مَعَ التَّعْيِينِ.
وَلِهَذَا التَّخْرِيجِ وَجْهٌ، لَكِنَّهُ نَادِرٌ، وَإِطْلَاقُ الْقَوْلِ يَكُونُ عَلَى الْأَعَمِّ الْأَغْلَبِ.
فَإِذَا قِيلَ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ إِنَّ الْحُكْمَ بِهَا لَا يَجُوزُ إِلَّا مَعَ التَّعْيِينِ، فَفِي جَوَازِ سَمَاعِهَا وَالْمُكَاتَبَةِ بِهَا قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَسْمَعُ الْقَاضِي الشَّهَادَةَ بِهَا؛ لِأَنَّهَا تُرَادُ لِلْحُكْمِ، فَإِذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا حُكْمٌ لَمْ تُسْمَعْ ذَكَرَهُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: نُصَّ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى: يَجُوزُ أَنْ يَسْمَعَ الْقَاضِي الشَّهَادَةَ بِهَا وَيَكْتُبَ بِهِ إِلَى قَاضِي الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ الْعَبْدُ الْمَطْلُوبُ، فَإِذَا وَصَلَ الْكِتَابُ إِلَيْهِ، لَمْ يَحْكُمْ بِالْعَبْدِ إِلَّا أَنْ يُعَيِّنَهُ الشُّهُودُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَيُسْتَفَادُ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ، وَإِنْ لَمْ يَقَعِ الْحُكْمُ بِهَا إِلَّا مَعَ التَّعْيِينِ مِنَ الْجِهَتَيْنِ، أَنْ لَا يَتَكَلَّفَ الثَّانِي الْكَشْفَ عَنْ عَدَالَتِهِمْ، وَلَا يَتَكَلَّفَ الشُّهُودُ إِعَادَةَ شَهَادَتِهِمْ وَإِنَّمَا يَقْتَصِرُونَ عَلَى الْإِشَارَةِ بِالتَّعْيِينِ، فَيَقُولُونَ: هَذَا هُوَ الْعَبْدُ الَّذِي شَهِدْنَا بِهِ لِفُلَانٍ عِنْدَ الْقَاضِي فُلَانٍ.
وَيُسْتَفَادُ بِهَا عِنْدِي فَائِدَةٌ ثَالِثَةٌ: أَنْ يَمُوتَ الْعبدُ فَيُسْتَحَقُّ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْمَطْلُوبِ ذِي الْيَدِ قِيمَتُهُ عَلَى نَعْتِهِ وَصِفَتَهُ.
وَإِذَا قِيلَ بِالْقَوْلِ الثَّانِي، إِنَّ الْحُكْمَ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ مَعَ عَدَمِ التَّعْيِينِ جَائِزٌ، أَحْضَرَ الْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إِلَيْهِ الْعَبْدَ وَصَاحِبَ الْيَدِ وَقَالَ لَهُ: هَذَا الْعَبْدُ هُوَ الْمَنْعُوتُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ. فَإِنِ اعْتَرَفَ بِهَا، حَكَمَ عَلَيْهِ بِتَسْلِيمِ الْعَبْدِ إِلَى طَالِبِهِ.
وَإِنْ أَنْكَرْ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمَوْصُوفُ الْمَحْكُومُ بِهِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِهَذَا الْقَوْلِ فِيمَا يُحْكَمُ بِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: حَكَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ: إِنَّ الْقَاضِيَ يَخْتِمُ فِي عُنُقِ الْعَبْدِ، وَيُسَلِّمُهُ إِلَى الطَّالِبِ الْمَشْهُودِ لَهُ، مَضْمُونًا عَلَيْهِ، وَيَأْخُذُ مِنْهُ كَفِيلًا، وَيُنْفِذُهُ إِلَى الْقَاضِي الْأَوَّلِ، لِيَحْضُرَ الشُّهُودُ لِتَعْيِينِهِ.
فَإِنْ عَيَّنُوهُ، وَأَنَّهُ الْعَبْدُ الَّذِي شَهِدُوا بِهِ لِلطَّالِبِ حَكَمَ بِهِ لَهُ وَكَتَبَ إِلَى الْقَاضِي الثَّانِي بِاسْتِحْقَاقِ الطَّالِبِ، وَبَرَاءَةِ الْكَفِيلِ مِنْ ضَمَانِهِ.