أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ فِي ذِمَّةِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ فِي بَدَنِهِ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ عَيْنًا مَنْقُولَةً فِي يَدِهِ.
وَالرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ عَيْنًا مَنْقُولَةً فِي بَلَدِهِ.
فَأَمَّا الضَّرْبُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ فِي ذِمَّتِهِ: فَيَسْتَوْفِي مِنْهُ إِنْ أَيْسَرَ، وَيَنْظُرُ بِهِ إِنْ أَعْسَرَ.
وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ عَلَى بَدَنِهِ، فَإِنْ كَانَ لِآدَمِيٍّ كَالْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ اسْتَوْفَاهُ الْمَكْتُوبُ إِلَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ أَنْ تُسْتَوْفَى حُدُودُ الْأَبْدَانِ بِكُتُبِ الْقُضَاةِ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ لِتَغْلِيظِهَا.
وَهَذَا فَاسِدٌ. مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا لَمَّا لَمْ تَسْقُطْ بِالشُّبْهَةِ صَارَتْ كَالْأَمْوَالِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهَا لَمَّا جَازَتْ فِيهَا الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ حُكِمَ فِيهَا بِكُتُبِ الْقُضَاةِ.
فَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى كَحَدِّ الزِّنَا فَفِي جَوَازِ اسْتِيفَائِهِ بِكِتَابٍ إِلَى الْقَاضِي قَوْلَانِ، لِجَوَازِ اسْتِيفَائِهِ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ:
أَحَدُهُمَا: يُسْتَوْفَى كَحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَا يُسْتَوْفَى؛ لِأَنَّ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ.
وَالضَّرْبُ الثَّالِثُ: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ عَيْنًا فِي يَدِهِ غَيْرَ مَنْقُولَةٍ كَالضِّيَاعِ وَالْعَقَارِ فَالْحُكْمُ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَكُونُ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ.
فَإِنْ ثَبَتَ عِنْدَهُ عَدَالَةُ شُهُودِهَا حَكَمَ بِثُبُوتِهَا، وَجَازَ أَنْ يَكْتُبَ بِهَا إِلَى قَاضِي الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ الْمِلْكُ الْمُسْتَحَقُّ، دُونَ قَاضِي الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ فِي غَيْرِهِ.
وَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ عِنْدَهُ عَدَالَةُ الشُّهُودِ وَهُمْ غُرَبَاءُ وَذَكَرَ الطَّالِبُ أَنَّ لَهُ بَيِّنَةً بِتَزْكِيَتِهِمْ بِقِيَمِهَا عِنْدَ قاضي بلدهم فللشهود ثلاثة أَحْوَالٍ:
إِحداهَا: أَنْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ الْمِلْكُ وَهُمْ عَلَى الْعَوْدِ إِلَيْهِ، فَلَا تُسْمَعُ شَهَادَتُهُمْ وَإِنْ سَمِعَهَا لَمْ يَكْتُبْ بِهَا، وَقَالَ لِلطَّالِبِ اذْهَبْ مَعَ شُهُودِكَ إِلَى قَاضِي بَلَدِهِمْ وَبَلَدِ مَالِكٍ لِيَشْهَدُوا عِنْدَهُ بِمَا شَهِدُوا بِهِ عِنْدِي، فَإِنَّ كُتُبَ الْقَضَاءِ مُخْتَصَّةٌ بما لا