أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الِاشْتِبَاهُ لِاخْتِلَاطِ الدَّعْوَى وَاشْتِبَاهِ التَّنَازُعِ، فَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَأْخُذَهُمَا بِكَشْفِ الْمُشْتَبَهِ وَتَمْيِيزِ الْمُخْتَلَطِ وَلَا يَعْجَلَ فِي فَصْلِ التَّنَازُعِ بَيْنَهُمَا مَعَ اشْتِبَاهِ حَالِهِمَا وَالْأَمْرُ فِي كَشْفِ ذَلِكَ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِمَا، فَإِذَا كَشَفَاهُ فَصَلَ الْحُكْمَ بَيْنَهُمَا.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الِاشْتِبَاهُ لِإِشْكَالِ الْحُكْمِ عَلَى الْقَاضِي؛ لِاحْتِمَالِهِ عِنْدَهُ. فَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَقِفَ الْحُكْمَ عَلَى اجْتِهَادِهِ فِيهِ، وَمُشَاوَرَةِ الْفُقَهَاءِ فِي وَجْهِ صَوَابِهِ، وَلَا يَعْجَلَ بِفَصْلِهِ مَعَ الِاشْتِبَاهِ، فَإِذَا بَانَ لَهُ بِاجْتِهَادِهِ وَجْهُ الْحَقِّ فِيهِ عَجَّلَ حِينَئِذٍ فَصْلَهُ وَلَمْ يُؤَخِّرْهُ.
فَإِنْ رَدَّهُمَا الْقَاضِي مَعَ الِاشْتِبَاهِ إِلَى وَسَاطَةِ مُتَوَسِّطٍ بَيْنَهُمَا لَمْ يَلْزَمْهُمَا الرُّجُوعُ إِلَيْهِ.
وَإِنْ سَأَلَاهُ رَدَّهُمَا إِلَى الْوَسِيطِ لَزِمَهُ الْكَفُّ عَنِ النَّظَرِ بَيْنَهُمَا، وَلَمْ يَلْزَمْهُ رَدُّهُمَا إِلَى وَسِيطٍ مُعَيَّنٍ؛ لِأَنَّ رَدَّهُمَا إِلَيْهِ تَقْلِيدٌ لَهُ عَلَى النَّظَرِ بَيْنَهُمَا، وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُقَلِّدَ لَهُمَا نَاظِرًا.
فَإِنْ أَجَابَهُمَا إِلَيْهِ كَانَ تَبَرُّعًا مِنْهُ وَحَمَلَهُمَا الْوَسِيطُ عَلَى التَّرَاضِي دُونَ الْإِلْزَامِ إِلَّا أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِ الْإِلْزَامَ فَيَصِيرُ حَاكِمًا وَمُلْزَمًا.
وَيَجُوزُ لِلْوَسِيطِ أَنْ يَشْهَدَ عِنْدَهُ بِمَا حَفِظَهُ مِنْ إِقْرَارِهِمَا فَإِنْ شَرَطَا عَلَيْهِ أَنْ لَا يَحْفَظَ عَلَيْهِمَا إِقْرَارًا فَفِي شَهَادَتِهِ عَلَيْهِمَا وَجْهَانِ مِنِ اخْتِلَافِ الْوَجْهَيْنِ فِي الِاسْتِرْعَاءِ هَلْ يَكُونُ شرطا في صحة الشهادة.
وَيَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ عَلَى وَالِدَيْهِ وَمَوْلُودَيْهِ.
وَفِي جَوَازِ حُكْمِهِ لِوَالِدَيْهِ وَمَوْلُودَيْهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: لَا يَجُوزُ حُكْمُهُ لَهُمْ كَمَا لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُمْ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ لَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْهَدَ لَهُمْ؛ لِأَنَّ طَرِيقَ الْحُكْمِ ظَاهِرٌ وَطَرِيقَ الشَّهَادَةِ بَاطِنٌ فَتَوَجَّهَتْ إِلَيْهِ التُّهْمَةُ فِي الشَّهَادَةِ وَلَمْ تَتَوَجَّهْ إِلَيْهِ فِي الْحُكْمِ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ لَهُمْ بِالْإِقْرَارِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ لَهُمْ بِالْبَيِّنَةِ، لِأَنَّهُ قَدْ يُتَّهَمُ بِأَنْ يَعْدِلَ فِيهَا مَنْ لَيْسَ بِعَدْلٍ وَلَا يُتَّهَمُ فِي الْإِقْرَارِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ لِعَدُوِّهِ وَعَلَى عَدُوِّهِ وَجْهًا وَاحِدًا.
وَإِنْ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودَيْنِ لِوُقُوعِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ: