وَهَذَا صَحِيحٌ، وَقَدْ جَاءَ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى بِمِثْلِ مَعْنَاهُ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالا} [آل عمران: 118] .
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " لَا تَسْتَضِيئُوا بِنَارِ الْمُشْرِكِينَ ". أَيْ لَا تَرْجِعُوا إِلَى آرَائِهِمْ، وَلَا تُعَوِّلُوا عَلَى مُشَاوَرَتِهِمْ.
وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَمَعَهُ كَاتِبٌ نَصْرَانِيٌّ، فَأُعْجِبَ عُمَرُ بِخَطِّهِ وَحِسَابِهِ، فَقَالَ لِأَبِي مُوسَى أَحْضِرْ كَاتِبَكَ، لِيَقْرَأَهُ فَقَالَ أَبُو مُوسَى: إِنَّهُ نصراني لا يدخل المسجد فزبره عُمَرُ وَقَالَ " لَا تَأْمَنُوهُمْ وَقَدْ خَوَّنَهُمُ اللَّهُ، وَلَا تُدْنُوهُمْ وَقَدْ أَبْعَدَهُمُ اللَّهُ، وَلَا تُعِزُّوهُمْ وَقَدْ أَذَلَّهُمُ اللَّهُ ".
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ: مَا يَنْبَغِي لِقَاضٍ وَلَا وَالٍ أَنْ يَتَّخِذَ كَاتِبًا ذِمِّيًّا، وَلَا يَضَعَ الذِّمِّيَّ فِي مَوْضِعٍ يَفْضُلُ بِهِ مُسْلِمًا، وَيُعِزُّ الْمُسْلِمِينَ أَنْ تَكُونَ لَهُمْ حَاجَةٌ إِلَى غَيْرِ أَهْلِ دِينِهِمْ، وَالْقَاضِي أهل الناس في هذا عذرا.
فَإِذَا اسْتَكْتَبَ الْقَاضِي مَنْ وَصَفْنَا، وَأَحْضَرَهُ مَجْلِسَ حُكْمِهِ، وَأَجْلَسَهُ فِي الِاخْتِيَارِ عَنْ يَسَارِهِ، لِيُثْبِتَ مَا يَحْكُمُ بِهِ مِنْ إِقْرَارٍ، أَوْ سَمَاعِ بَيِّنَةٍ، أَوْ تَنْفِيذِ حُكْمٍ يَذْكُرُ فِيهِ الْمَحْكُومَ لَهُ، وَالْمَحْكُومَ عَلَيْهِ، بِأَسْمَائِهِمَا، وَأَنْسَابِهِمَا، وَبِقَدْرِ مَا حَكَمَ بِهِ، وَسَبَبَ حُكْمِهِ، مِنْ إِقْرَارٍ، أَوْ بَيِّنَةٍ، وَإِنْ حَلَّاهُمَا عِنْدَ الْجَهَالَةِ بِهِمَا كَانَ أَوْلَى.
وَالْقَاضِي فِيمَا يَكْتُبُهُ الْكَاتِبُ مِنْ ذَلِكَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يُلْقِيَهُ عَلَيْهِ، حَتَّى يَكْتُبَهُ مِنْ لَفْظِهِ، أَوْ يَكْتُبَهُ الْكَاتِبُ بِأَلْفَاظِهِ وَالْقَاضِي يَنْظُرُ إِلَيْهِ، أَوْ يَقْرَأُهُ بَعْدَ كِتَابَتِهِ، وَيُعْلِمَ فِيهِ الْقَاضِيَ بِخَطِّهِ، وَيُشْهِدَ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ، لِيَكُونَ حُجَّةً لِلْمُتَحَاكِمِينَ.
وَيَكْتُبُ الْكَاتِبُ ذَلِكَ عَلَى نُسْخَتَيْنِ، تَكُونُ إِحْدَاهُمَا فِي دِيوَانِ الْقَاضِي، وَالْأُخْرَى بِيَدِ الْمَحْكُومِ لَهُ.
فَإِنْ قَصَّرَ الْقَاضِي فِيمَا وَصَفْنَاهُ كَانَ مُفَرِّطًا فِي حُقُوقِ وِلَايَتِهِ، وَمُفَرِّطًا فِي حُقُوقِ الْخُصُومِ، وَإِنِ اسْتَوْفَاهَا سَلِمَ مِنَ التَّفْرِيطِ فِيهِمَا.
( [صِفَاتُ الْقَاسِمِ] ) .
: قال الشافعي: والقاسم في صفة الكاتب عالم بالجناب لَا يُخْدَعُ.
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْقَاسِمَ أَمِينُ الْحَاكِمِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ عَلَى صِفَاتِ الْكَاتِبِ، مِنَ الْعَدَالَةِ، وَالْأَمَانَةِ، وَاسْتَكْمَال الْأَوْصَافَ الْأَرْبَعَةَ، وَيَزِيدُ عَلَيْهَا: أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِالْحِسَابِ، وَالْمِسَاحَةِ، وَالْقِسْمَةِ، وَأَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِالْقِيَمِ.