إِثْبَاتُ حُكْمٍ عَلَى خَصْمٍ بِقَوْلِ غَيْرِهِ فَصَارَ هُوَ الْحَقَّ الْمَطْلُوبَ، وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ عَلَى ما استدل به في الترجمة.
(شهادة النساء في التعديل والجرح)
وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي التَّعْدِيلِ وَالْجَرْحِ وَإِنْ شَهِدَ شُهُودُ الْأَصْلِ بِمَا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مِنَ الْأَمْوَالِ أَوِ الْوِلَادَةِ أَوْ عُيُوبِ النِّسَاءِ.
وَقَبِلَهَا أَبُو حَنِيفَةَ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ الْجَرْحَ وَالتَّعْدِيلَ خَبَرٌ وَلَيْسَ بِشَهَادَةٍ.
وَنَحْنُ نَحْمِلُهُ عَلَى أَصْلِنَا فِي أَنَّهَا شَهَادَةٌ وَلَيْسَتْ بِخَبَرٍ ثُمَّ هِيَ شَهَادَةٌ بِغَيْرِ المال فلم تقبل شهادتهن فيه وإن قبلته في الأموال.
فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهَا شَهَادَةٌ مَحْضَةٌ يَحْكُمُ فِيهَا بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا: هَلْ يَحْكُمُ الْقَاضِي فِي تَعْدِيلِهِمْ وَجَرْحِهِمْ بِأَصْحَابِ مَسَائِلِهِ؟ أَوْ بِمَنْ عَدَّلَهُمْ وَجَرَحَهُمْ مِنْ جِيرَانِهِ وَأَهْلِ الْخِبْرَةِ بِهِمْ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ أَصْحَابَ مَسَائِلِهِ هم الشهود عند بِالتَّعْدِيلِ وَالْجَرْحِ، وَهُمُ الْمُتَحَمِّلُونَ عَنِ الْجِيرَانِ وَأَهْلِ الْخِبْرَةِ مَا ذَكَرُوهُ مِنَ التَّعْدِيلِ وَالْجَرْحِ.
وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَقَوْلُ الْأَكْثَرِينَ مِنْ أَصْحَابِهِ.
فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَا يَسْمَعُهُ أَصْحَابُ الْمَسَائِلِ مِنَ الْجِيرَانِ وَأَهْلِ الْخِبْرَةِ بِلَفْظِ الْخَبَرِ دُونَ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ مُخْتَصَّةٌ بِالْحُكَّامِ.
وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِمُ الْعَدَدُ.
وَيَعْتَبِرُ أَنْ يَقَعَ فِي نُفُوسِ أَصْحَابِ الْمَسَائِلِ صِدْقُ الْمُخْبِرِ فِيمَا ذَكَرَهُ مِنْ تَعْدِيلٍ وَجَرْحٍ فَرُبَّمَا وَقَعَ فِي نَفْسِهِ صِدْقُ الْوَاحِدِ فَجَازَ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَيْهِ وَرُبَّمَا ارْتَابَ بِالِاثْنَيْنِ فَلَزِمَهُ أَنْ يَسْتَزِيدَ.
وَيَجُوزُ لِأَصْحَابِ الْمَسَائِلِ أَنْ يَسْأَلُوا الْجَارَ: مِنْ أَيْنَ عَلِمْتَ تَعْدِيلَهُ وَجَرْحَهُ؟ وَلَا يَجُوزُ للحاكم أن يسأل أصحاب المسائل من أن عَلِمْتُمُ الْجَرْحَ وَالتَّعْدِيلَ؟ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ.
أَنَّ الَّذِي يَشْهَدُ بِالتَّعْدِيلِ وَالْجَرْحِ هُمْ مَنْ عَرِفَهُمَا مِنَ الْجِيرَانِ وَأَهْلِ الْخِبْرَةِ، وَيَكُونُ أَصْحَابُ مَسَائِلِهِ رُسُلَهُمْ فِيهَا؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِذَلِكَ مَسْمُوعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ الْبَاطِنَةِ، وَهُمُ الْجِيرَانُ وَأَهْلُ الْخِبْرَةِ دُونَ أَصْحَابِ الْمَسَائِلِ، وَلِأَنَّ شَهَادَةَ أَصْحَابِ الْمَسَائِلِ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ، وَهِيَ لَا تُسْمَعُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى شهود الأصل.