فَإِنْ عُلِّقَ الشَّرْطُ بِجُمَلٍ مَذْكُورَةٍ عَادَ إِلَى جَمِيعِهَا مَا لَمْ يَخُصَّهُ دَلِيلٌ كَالِاسْتِثْنَاءِ.
وَجَعَلَهُ أَبُو حَنِيفَةَ عَائِدًا إِلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ.
وَدَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أوسط ما تطعمون أهلكم أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} [المائدة: 89] يَعُودُ إِلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ وَلَا يَعُودُ إِلَى أَقْرَبِ مذكور من تحرير الرقبة.
وَأَمَّا النَّوْعُ الثَّالِثُ وَهُوَ الْغَايَةُ:
فَهِيَ حَدٌّ لِثُبُوتِ الْحُكْمِ قَبْلَهَا وَانْتِفَائِهِ بَعْدَهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187] .
فَكَانَ الْفَجْرُ حَدًّا لِإِبَاحَةِ الْأَكْلِ قَبْلَهُ وَتَحْرِيمِهِ بَعْدَهُ، فَتَعَلَّقَ بِالْغَايَةِ إِثْبَاتٌ وَنَفْيٌ كَالِاسْتِثْنَاءِ وَالشَّرْطِ، غَيْرَ أَنَّ الشَّرْطَ مُوجِبٌ لِثُبُوتِ الْحُكْمِ بَعْدَهُ، وَلِانْتِفَائِهِ قَبْلَهُ، وَالْغَايَةُ مُوجِبَةٌ لِثُبُوتِ الْحُكْمِ قَبْلَهَا وَلِانْتِفَائِهِ بَعْدَهَا.
فَإِنِ اقْتَرَنَ بِالْغَايَةِ شَرْطٌ تَعَلَّقَ الْإِثْبَاتُ بهما والنفي بأحدهما كقوله تعالى: {فلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] وَهَذَا غَايَةٌ ثُمَّ قال {فإذا تطهرن فأتوهن} وَهَذَا شَرْطٌ فَتَعَلَّقَ حُكْمُ الْإِثْبَاتِ بِوُجُودِ الشَّرْطِ بَعْدَ الْغَايَةِ، فَلَا يُسْتَبَاحُ وَطْؤُهُنَّ إِلَّا بِالْغُسْلِ بَعْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ، وَتَنْتَفِي الِاسْتِبَاحَةُ بِعَدَمِهَا أَوْ عَدَمِ أَحَدِهِمَا مِنْ غَايَةٍ أَوْ شَرْطٍ.
وَأَمَّا الْقِسْمُ الْخَامِسُ وَهُوَ الْمُحْكَمُ وَالْمُتَشَابِهُ:
فَأَصْلُهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران: 7] الْآيَةَ.
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْمُحْكَمِ وَالْمُتَشَابِهِ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ الْمُحْكَمَ النَّاسِخُ وَالْمُتَشَابِهَ الْمَنْسُوخُ وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْمُحْكَمَ الْفَرَائِضُ وَالْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ، وَالْمُتَشَابِهَ الْقَصَصُ وَالْأَمْثَالُ وَهُوَ قَوْلٌ مَأْثُورٌ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّ الْمُحْكَمَ الَّذِي لَمْ تَتَكَرَّرْ أَلْفَاظُهُ وَالْمُتَشَابِهَ الَّذِي تَكَرَّرَتْ أَلْفَاظُهُ وَهَذَا قَوْلُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ.
وَالرَّابِعُ: أَنَّ الْمُحْكَمَ مَا عَلِمَ الْعُلَمَاءُ تَأْوِيلَهُ وَفَهِمُوا مَعْنَاهُ، وَالْمُتَشَابِهَ مَا لَمْ يَكُنْ