أَحَدُهُمَا: يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ بِحَجٍّ، أَوْ عُمْرَةٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَهَا مُحِلًّا فَعَلَى هَذَا يَصِيرُ إِطْلَاقُ نَذْرِهِ بِقَصْدِ الْبَيْتِ مَعْقُودًا عَلَى حَجٍّ، أَوْ عُمْرَةٍ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَا يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ وَيَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَهَا مُحِلًّا.
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ: فَعَلَى هَذَا فِي انْعِقَادِ نَذْرِهِ بِحَجٍّ، أَوْ عُمْرَةٍ وَجْهَانِ تَخَرَّجَا مِنِ اخْتِلَافِ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ فِيمَنْ نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، أَوْ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ فِي لُزُومِ نَذْرِهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَلْزَمُهُ النَّذْرُ كَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَهُوَ قَصْدٌ لَا يَجِبُ بِهِ إِحْرَامٌ، وَكَذَلِكَ قَصْدُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لَا يَجِبُ فِيهِ إِحْرَامٌ وَيَكُونُ النَّذْرُ فِي جَمِيعِهَا مَقْصُورًا عَلَى مُجَرَّدِ الْقَصْدِ لِاشْتِرَاكِهَا فِي مَعْنَى الْوُجُوبِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَا يَلْزَمُهُ النَّذْرُ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، وَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ، وَإِنْ لَزِمَهُ النَّذْرُ إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، لِوُجُوبِ قَصْدِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ شَرْعًا، فَوَجَبَ قَصْدُهُ نَذْرًا، وَلَمْ يَجِبْ قَصْدُ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، وَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ شَرْعًا فَلَمْ يَجِبْ قَصْدُهُ نَذْرًا فَاقْتَضَى افْتِرَاقُهُمَا فِي هَذَا التَّعْلِيلِ الْمُخَالِفِ بَيْنَهُمَا فِي الْوُجُوبِ أَنْ يَجِبَ بِقَصْدِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فِي النَّذْرِ مَا أَوْجَبَ قَصْدُهُ بِالشَّرْعِ، وَهَذَا التَّخْرِيجُ، وَإِنْ كَانَ مُحْتَمَلًا، فَإِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ مَعَ عَدَمِ النَّصِّ، وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى وُجُوبِ إِحْرَامِهِ فِي النَّذْرِ بِحَجٍّ، أَوْ عُمْرَةٍ؛ لِأَنَّهُ مَعْهُودُ النَّذْرِ عُرْفًا، فَلَمْ يَجُزِ الْعُدُولُ عَنْهُ إِلَى تَخْرِيجِ مَا يُخَالِفُهُ، وَيَكُونُ فِي هَذَا مُخَيَّرًا بَيْنَ الْإِحْرَامِ بِحَجٍّ؛ أَوْ عُمْرَةٍ، وَإِنْ كَانَ الْحَجُّ أَفْضَلَ مِنَ الْعُمْرَةِ.
فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ عَلَيْهِ فِيهِ هَذَا النَّذْرُ أَنْ يُحْرِمَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، فَلَهُ حَالَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا: أَنْ يُطْلِقَ فِي نَذْرِهِ صِفَةَ قَصْدِهِ، وَلَا يَشْتَرِطُ فِيهِ رُكُوبًا، وَلَا مَشْيًا فَيَقُولُ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَقْصِدَ بَيْتَ اللَّهِ الْحَرَامِ، أَوْ أَذْهَبَ إِلَيْهِ، أَوْ أَمْضِيَ إِلَيْهِ أَوْ أَتَوَجَّهَ إِلَيْهِ فَهُوَ مُخَيَّرٌ إذا خرج بن الرُّكُوبِ وَالْمَشْيِ.
وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَشْتَرِطَ فِي نَذْرِهِ صِفَةَ قَصْدِهِ بِرُكُوبٍ أَوْ مَشْيٍ فَيَقُولُ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَمْشِيَ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ، أَوْ أَرْكَبَ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ فَفِي لُزُومِ هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ فِي نَذْرِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الرُّكُوبُ، وَلَا الْمَشْيُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجِبْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِالشَّرْعِ لَمْ يَجِبْ بِالنَّذْرِ، وَلَهُ أَنْ يَرْكَبَ إِنْ شَرَطَ الْمَشْيَ، وَيَمْشِيَ إِنْ شَرَطَ الرُّكُوبَ.
وَقَدْ رَوَى يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: نَذَرَتْ أُخْتِي أَنْ تَمْشِيَ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ فَأَمَرَتْنِي أَنْ أَسْتَفْتِيَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَاسْتَفْتَيْتُهُ فَقَالَ: " لِتَمْشِ أَوْ لِتَرْكَبْ " فَخَيَّرَهَا بَيْنَ الْمَشْيِ وَالرُّكُوبِ فَدَلَّ عَلَى سُقُوطِ الشَّرْطِ فِي المشي والركوب.