الشَّمْسِ فَسَأَلَ عَنْهُ فَقَالُوا: هَذَا أَبُو إِسْرَائِيلَ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ وَلَا يَقْعُدَ، وَلَا يَسْتَظِلَّ، وَلَا يَتَكَلَّمَ فَقَالَ: " مُرُوهُ فَلْيَتَكَلَّمْ، وَلْيَسْتَظِلَّ وَلْيَقْعُدْ وليتم صومه " فأسقط عنه ما لا طاقة فيه، وأمره بالتزام بما فِيهِ طَاعَةٌ.
وَرَوَى ابْنُ عَوْنٍ حَدِيثًا أَسْنَدَهُ أَنَّ رَجُلًا حَجَّ مَعَ ذِي قَرَابَةٍ مُقْتَرِنًا بِهِ فَرَآهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: " مَا هَذَا؟ قِيلَ: إِنَّهُ نَذَرَ فَأَمَرَ بِالْقِرَانِ أَنْ يُقْطَعَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي الِاقْتِرَانِ طَاعَةٌ لِلَّهِ، أَسْقَطَهُ مِنْ نَذْرِهِ وَالْمَعْصِيَةُ أَنْ يَقُولَ: إِنْ كَانَ كَذَا قَبَّلْتُ فُلَانًا، أَوْ زَنَيْتُ بِفُلَانَةٍ، إِنْ أَثْبَتَ، أَوْ لَا صَلَّيْتُ، وَلَا صُمْتُ إِنْ نَفَى فَهَذَا جَزَاءٌ بَاطِلٌ، وَهُوَ عِنْدَنَا بِاعْتِقَادِهِ عَاصٍ، فَصَارَ شَرْطُ النَّذْرِ مُنْعَقِدًا بِنَوْعَيْنِ بِطَاعَةٍ، وَمُبَاحٍ، وَغَيْرَ منعقد بنوع واحد وهم الْمَعْصِيَةُ، وَصَارَ الْجَزَاءُ لَازِمًا بِنَوْعٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الطَّاعَةُ وَغَيْرُ لَازِمٍ، بِنَوْعَيْنِ وَهُمَا الْمُبَاحُ، وَالْمَعْصِيَةُ.
فَعَلَى هَذَا إِذَا قَالَ: إِنْ هَلَكَ فُلَانٌ؛ وَهَبْتُ دَارِي لِفُلَانٍ فَإِنْ كَانَ الْهَالِكُ مِنْ أَعْدَاءِ اللَّهِ، انْعَقَدَ بِهِ الشَّرْطُ؛ لِأَنَّهُ طَاعَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَعْدَائِهِ، لَمْ يَنْعَقِدْ بِهِ الشَّرْطُ؛ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ وَإِنْ كَانَ الْمَوْهُوبُ لَهُ مِمَّنْ يَقْصِدُ بِهِبَتِهِ الْأَجْرَ وَالثَّوَابَ لَزِمَ بِهِ الْجَزَاءُ؛ لِأَنَّهُ طَاعَةٌ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَقْصِدُ بِهِبَتِهِ التَّوَاصُلَ وَالْمَحَبَّةَ لَمْ يَلْزَمْ بِهِ الْجَزَاءُ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ وَلَوْ قَالَ: إِنْ سَلَّمَ اللَّهُ مَالِي وَهَلَكَ مَالُ فُلَانٍ أَعْتَقْتُ عَبْدِي وَطَلَّقْتُ امْرَأَتِي انْعَقَدَ نَذْرُهُ عَلَى سَلَامَةِ مَالِهِ وَلَمْ يَنْعَقِدْ عَلَى هَلَاكِ مَالِ فُلَانٍ لِأَنَّ مَا شَرَطَهُ مِنْ سَلَامَةِ مَالِهِ مُبَاحٌ، وَمَا شَرَطَهُ مِنْ هَلَاكِ مَالِ غَيْرِهِ مَعْصِيَةٌ، وَلَزِمَهُ فِي الْجَزَاءِ عِتْقُ عَبْدِهِ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ طَلَاقُ امْرَأَتِهِ؛ لِأَنَّ الْجَزَاءَ بِالْعِتْقِ طَاعَةٌ، وَالْجَزَاءَ بِالطَّلَاقِ مُبَاحٌ.
وَلَوْ جَعَلَ ذَلِكَ شَرْطًا فِي وُقُوعِ الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ فَقَالَ: إِنْ سَلَّمَ اللَّهُ مَالِي وَهَلَكَ مَالُ فُلَانٍ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ وَعَبْدِي حُرٌّ انْعَقَدَ الشَّرْطَانِ، وَوَقَعَ بِهِمَا الْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ وَصَارَ شَرْطُ الْمَعْصِيَةِ مُعْتَبَرًا كَشَرْطِ الطَّاعَةِ وَالْجَزَاءُ فِيهِ بِمُبَاحِ الطَّلَاقِ وَاقِعٌ كَوُقُوعِهِ بِمُسْتَحَبِّ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ خَارِجًا عَنْ أَحْكَامِ النُّذُورِ إِلَى وُقُوعِ الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ بِالصِّفَاتِ، ثُمَّ نَجْعَلُ مَا ذَكَرْنَاهُ قِيَاسًا مُسْتَمِرًّا فِي نَذْرِ الْمُجَازَاةِ.
وَأَمَّا نَذْرُ التَّبَرُّرِ فَهُوَ أَنْ يَقُولَ مُبْتَدأً لِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا فَيَبْتَدِئُ بِالْتِزَامِ مَا لَيْسَ بِلَازِمٍ فَهُوَ نَوْعَانِ: طَاعَةٌ، وَغَيْرُ طَاعَةٍ.
فَأَمَّا الطَّاعَةُ الَّتِي يُقْصَدُ بِهَا التَّقَرُّبُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ أَنْ يَقُولَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَحُجَّ، أَوْ أَعْتَمِرَ، أَوْ أُصَلِّيَ، أَوْ أَصُومَ، أَوْ أَعْتَكِفَ، أَوْ أَتَصَدَّقَ بِمَالِي، أَوْ مَا جَرَى مَجْرَى هَذَا مِنْ أَنْوَاعِ الْقُرَبِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي انْعِقَادِ نَذْرِهِ، وَوُجُوبِ الْوَفَاءِ بِهِ على وجهين: