وَالْقِيَاسُ أَنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَةَ يمينٍ وَقَالَ مَنْ حَنَثَ فِي الْمَشْيِ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ فَفِيهِ قولان أحدهما قول عطاء كفارة يمينٍ ومذهبه أن أعمال البر لا تكون إلا ما فرض الله أو تبرراً يراد به الله عز وجل (قال الشافعي) والتبرر أن يقول لله علي إن شفاني أن أحج نذراً فأما إن لم أقضك حقك فعلي المشي إلى بيت الله فهذا من مِن معاني الأيمان لا معاني النذور (قال المزني) رحمه الله قد قطع بأنه قول عددٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - والقياس وقد قال في غير هذا الموضع لو قال لله علي نذرٌ حج إن شاء فلانٌ فشاء لم يكن عليه شيءٌ إنما النذر ما أريد بن الله عز وجل ليس على معاني المعلق والشائي غير الناذر ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ النَّذْرَ ضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: نَذْرُ جَزَاءٍ وَتَبَرُّرٍ، وَهُوَ مَا أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ عَلَى مَا أَوْلَاهُ اللَّهُ مِنْ نِعْمَةٍ أَوْ دَفَعَهُ عَنْهُ مِنْ نِقْمَةٍ، كَقَوْلِهِ: إِنْ شفى الله مريضي أو رزقني ولداً لله عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِمَالِي فَيَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِنَذْرِهِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْعُدُولُ عَنْهُ إِلَى غَيْرِهِ، عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ فِي كِتَابِهِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: نَذْرُ نَفْيٍ وَإِثْبَاتٍ خَرَجَ مَخْرَجَ الْيَمِينِ، فَالنَّفْيُ مَا الْتَزَمَ بِهِ نَفْيَ فِعْلٍ كَقَوْلِهِ: إِنْ دَخَلْتُ الدَّارَ فَمَالِي صَدَقَةٌ، لِيَلْزَمَ بِنَذْرِهِ دُخُولَ الدَّارِ وَالْإِثْبَاتُ مَا الْتَزَمَ بِهِ إِثْبَاتَ فعلٍ، كَقَوْلِهِ: إِنْ لَمْ أَدْخُلِ الدَّارَ فَمَالِي صَدَقَةٌ، لِيَلْتَزِمَ بِنَذْرِهِ دُخُولَ الدَّارِ، وَالْإِثْبَاتُ مَا الْتَزَمَ بِهِ النَّفْيُ كَقَوْلِهِ: إِنْ دَخَلْتُ الدَّارَ فَمَالِي صَدَقَةٌ، لِيَلْتَزِمَ بِنَذْرِهِ أَنْ لَا يَدْخُلَ الدَّارَ إِذَا خَالَفَ عَقْدَ نَذْرِهِ وَحَنِثَ فِيمَا أَوْجَبَهُ على نفسهن فَقَدِ اخْتَلَفَ فِيهِ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى سِتَّةِ مَذَاهِبَ:
أَحَدُهَا: وَهُوَ مَذْهَبُ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ صَدَقَةٍ وَلَا كَفَّارَةٍ؛ لِأَنَّهُ وَصَفَ مَالَهُ بِمَا لَا يَصِيرُ مَوْصُوفًا بِهِ، فَصَارَ كَقَوْلِهِ: إِنْ دَخَلْتُ الدَّارَ فَمَالِي حرامٌ.
وَالثَّانِي: وَهُوَ مَذْهَبُ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ أَنَّهُ يُلْزَمُ الْوَفَاءَ بِنَذْرِهِ، وَالصَّدَقَةَ بِجَمِيعِ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ نَوْعَيِ النَّذْرِ كَالْجَزَاءِ وَالتَّبَرُّرِ.
وَالثَّالِثُ: وَهُوَ مَذْهَبُ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ مِنْ مَالِهِ بِقَدْرِ زَكَاتِهِ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ الْمَشْرُوعَةَ هِيَ الزَّكَاةُ.
وَالرَّابِعُ: وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِثُلُثِ مَالِهِ؛ لِأَنَّ أَبَا لُبَابَةَ الْأَنْصَارِيَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْخَلِعُ عَنْ مَالِي؟ فَقَالَ: " الثُّلُثُ يُجْزِئُكَ ".