الحاوي الكبير (صفحة 7277)

وَالثَّانِي: أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهَا الْبَاقِيَةُ الَّتِي لَمْ يَأْكُلْهَا، فَلَا يَحْنَثُ.

وَالثَّالِثُ: أَنْ يَشُكَّ، هَلْ أَكَلَهَا أَوْ لَمْ يَأْكُلْهَا، فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهَا هِيَ الْبَاقِيَةُ، أَوِ الْهَالِكَةُ، فَصَارَ الْحِنْثُ مَشْكُوكًا فِيهِ، وَالْحِنْثُ لَا يَقَعُ بِالشَّكِّ، وَمُسْتَحَبٌّ لَهُ فِي الْوَرَعِ أَنْ يُحَنِّثَ نَفْسَهُ احْتِيَاطًا اعْتِبَارًا بِالْأَغْلَبِ مِنْ حَالِهَا أَنَّهَا فِي الْمَأْكُولِ، مَعَ تَجْوِيزِ بَقَائِهَا فِي الْعَادَةِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا عَلَّقْتُمْ حُكْمَ الْوُجُوبِ بِالْغَالِبِ مِنْ حَالِ هَذَا، فَحَكَمْتُمْ بِحِنْثِهِ، كَمَا حَكَمْتُمْ فِيمَنْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ مِائَةَ ضَرْبَةٍ، فَجَمَعَ مِائَةَ شِمْرَاخٍ، وَضَرَبَهُ بِهَا ضَرْبَةً، وَشَكَّ فِي وُصُولِ جَمِيعِهَا إِلَى جَسَدِهِ أَنَّهُ يَبِرُّ تَغْلِيبًا لِلظَّاهِرِ فِي وُصُولِ جَمِيعِهَا إِلَى جَسَدِهِ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَصِلُ لَطَائِفُهَا.

قِيلَ: لِوُقُوعِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْمَعْدُودَ فِي الضَّرْبِ مَفعول، وَالْوُقُوعَ فِي الْمَحَلِّ مَعْلُومٌ، وَالْحَائِلَ دُونَهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ، يُعْمَلُ عَلَى الظَّاهِرِ، وَلَمْ يُؤْخَذْ بِالشَّكِّ، وَخَالَفَ التَّمْرَةُ، لِأَنَّ فِعْلَ الْأَكْلِ فِيهَا غير معلوم، وهو المختص بالشك، فاطرح.

(مسألة:)

قال الشافعي: " وَإِذَا حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ هَذِهِ الْحِنْطَةَ فَطَحَنَهَا أَوْ خَبَزَهَا أَوْ قَلَاهَا فَجَعَلَهَا سَوِيقًا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ قمحٍ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَخْلُو يَمِينُ مَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ حِنْطَةً مِنْ أَمْرَيْنِ: إِبْهَامٌ أَوْ تَعْيِينٌ.

فَإِنْ أَبْهَمَ، وَلَمْ يُعَيِّنْ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أَكَلْتُ حِنْطَةً، أَوْ لَا أَكَلْتُ الْحِنْطَةَ، فَهُمَا سَوَاءٌ، وَيَحْنَثُ بِأَنْ يَأْكُلَهَا حَبًّا صَحِيحًا، وَلَا يَحْنَثَ أَنْ يَأْكُلَهَا خُبْزًا أَوْ دَقِيقًا أَوْ سَوِيقًا وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ إِذَا أَبْهَمَ صَارَتِ الْيَمِينُ مَعْقُودَةً عَلَى الِاسْمِ دُونَ الْعَيْنِ، فَيَحْنَثُ بِمَا انْطَلَقَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الِاسْمُ، وَلَا يَحْنَثُ بِمَا زَالَ عَنْهُ ذَلِكَ الِاسْمُ، وَقَدْ زَالَ اسْمُ الْحِنْطَةِ عَنْهَا بَعْدَ طَحْنِهَا وَخَبْزِهَا.

أَلَا تَرَاهُ لَوْ حَلَفَ لَا كَلَّمَ صَبِيًّا، فَكَلَّمَ رَجُلًا أَوْ لَا أَكَلَ رُطَبًا، فَأَكَلَ تَمْرًا لَمْ يَحْنَثْ؟ وَإِنْ عَلِمْنَا أَنَّ الرَّجُلَ قَدْ كَانَ صَبِيًّا، وَالتَّمْرَ قَدْ كَانَ رُطَبًا، لِانْعِقَادِ الْيَمِينِ فِي الْإِبْهَامِ عَلَى الِاسْمِ دُونَ الْعَيْنِ.

وَإِنْ عَيَّنَ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أَكَلْتُ هَذِهِ الْحِنْطَةَ، تَعَيَّنَتِ الْحِنْطَةُ فِي يَمِينِهِ، وَلَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ غَيْرِهَا.

وَاخْتَلَفُوا فِي بَقَاءِ الِاسْمِ عَلَيْهَا، هَلْ يَكُونُ شَرْطًا فِي عَقْدِ الْيَمِينِ، لَا يقع الحنث إلا مع بقائه؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015