فَإِذَا حَلَفَ لَا آكُلُ سَمْنًا، فَلَهُ فِي أكله حالتان:
أحدهما: أَنْ يَأْكُلَهُ مُنْفَرِدًا.
وَالثَّانِيَةُ: أَنْ يَأْكُلَهُ مَعَ غَيْرِهِ.
فَإِنْ أَكَلَهُ مُنْفَرِدًا، وَكَانَ جَامِدًا حَنِثَ، وَإِنْ كَانَ ذَائِبًا لَمْ يَحْنَثْ، لِأَنَّهُ يَكُونُ لِلْجَامِدِ آكِلًا، وَلِلذَّائِبِ شَارِبًا.
وَإِنْ أَكَلَهُ مَعَ غَيْرِهِ مِنْ خُبْزٍ أَوْ سَوِيقٍ أَوْ فِي عَصِيدَةٍ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي حِنْثِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ إنَّهُ لَا يَحْنَثُ إِذَا خَلَطَهُ بِغَيْرِهِ، سَوَاءٌ كَانَ جَامِدًا أَوْ ذَائِبًا، وَلَمْ يُطْلَقْ عَلَيْهِ اسْمُ الْأَكْلِ إِلَّا بِانْفِرَادِهِ، وَأَجْرَاهُ مَجْرَى قَوْلِهِ: وَاللَّهِ لَا أَكَلْتُ طَعَامًا اشْتَرَاهُ زَيْدٌ، فَاشْتَرَى زَيْدٌ وَعَمْرٌو طَعَامًا، فَأَكَلَهُ لَمْ يَحْنَثْ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ إنَّهُ إِنْ كَانَ جَامِدًا لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِهِ مَعَ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ ذَائِبًا حَنِثَ بِأَكْلِهِ مَعَ غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى أَكْلِ الْجَامِدِ مُنْفَرِدًا، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى أَكْلِ الذَّائِبِ إِلَّا مَعَ غَيْرِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: وَهُوَ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَمَا عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ مَعَ غَيْرِهِ إِذَا كَانَ ظَاهِرًا فِيهِ، كَمَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ مُنْفَرِدًا، سَوَاءٌ كَانَ جَامِدًا أَوْ ذَائِبًا، لِأَنَّ اخْتِلَاطَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ بِمَا لَمْ يَحْلِفْ عَلَيْهِ لَا يَمْنَعُ مِنْ وُقُوعِ الْحِنْثِ بِهِ، كَمَا لَوْ حَلَفَ: لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا، فَكَلَّمَ جَمَاعَةً هُوَ فِيهِمْ حَنِثَ، وَكَمَا لَوْ حَلَفَ: لَا آكُلُ طَعَامًا اشْتَرَاهُ زَيْدٌ، فَاشْتَرَى زَيْدٌ طَعَامًا، وَاشْتَرَى عَمْرٌو طَعَامًا، فَخَلْطَهُمَا وَأَكَلَهُمَا، حَنِثَ كَذَلِكَ السَّمْنُ إِذَا خَلَطَهُ بِغَيْرِهِ حَنِثَ بِأَكْلِهِمَا.
وَعَلَى هَذَا يَكُونُ التَّفْرِيعُ، فَإِذَا أَكَلَ السَّمْنَ مَعَ غَيْرِهِ، فَجَعَلَهُ عَصِيدًا، أَوْ بَلَّ فِيهِ خُبْزًا أَوْ لَتَّ فِيهِ سَوِيقًا، فَلَهُ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَظْهَرَ فِيهِ طَعْمُهُ إِذَا أُكِلَ أَوْ يَظْهَرُ فِيهِ بَيَاضُ لَوْنِهِ إِذَا ثُرِدَ، فَيَحْنَثُ بِأَكْلِهِ لِظُهُورِ صِفَتَيِ السَّمْنِ مِنْ طَعْمٍ وَلَوْنٍ.
وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ لَا يَظْهَرَ فِيهِ طَعْمُهُ إِذَا أُكِلَ، وَلَا يَظْهَرُ فِيهِ لَوْنُهُ إِذَا ثُرِدَ، فَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ، لِأَنَّ السَّمْنَ قَدْ صَارَ بِعَدَمِ الصِّفَتَيْنِ مُسْتَهْلَكًا.
وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَظْهَرَ فِيهِ طَعْمُهُ إِذَا أُكِلَ، وَلَا يَظْهَرُ فِيهِ لَوْنُهُ إِذَا يرد، فَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ، لِأَنَّ يَمِينَهُ مُسْتَهْلَكَةٌ، فَلَمْ يَحْنَثْ بِطَعْمِهِ.
وَالْحَالُ الرَّابِعَةُ: أَنْ يَظْهَرَ فِيهِ لَوْنُهُ إِذَا ثُرِدَ، وَلَا يَظْهَرُ فِيهِ طَعْمُهُ إِذَا أُكِلَ، فَيَحْنَثُ بِأَكْلِهِ، لِبَقَاءِ عَيْنِهِ، فَلَمْ يُؤَثِّرْ فَقْدُ طَعْمِهِ.