يَأْكُلُ الرُّؤُوسَ أَنَّ حِنْثَهُ مُخْتَصٌّ بِرُؤُوسِ النَّعَمِ، لِإِضَافَةِ رُؤُوسِ غَيْرِهَا إِلَى أَجْسَادِهَا، وَاخْتِصَاصِ النَّعَمِ بِانْفِرَادِهِ مِنْ بَيْنِهَا.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: مَا خَرَجَ عَنِ الْعُرْفِ لِتَعَذُّرِهِ أَوْ لِعِزَّتِهِ، فَيَكُونُ فِي الْأَيْمَانِ مَحْمُولًا عَلَى مَا عَمَّهُ الِاسْمُ دُونَ ما خصه العرف.
فاللحم خرج من عرف لَحْمُ الصَّيْدِ، لِتَعَذُّرِهِ، وَلَحْمُ الدَّجَاجِ لِعِزَّتِهِ، وَغَلَاءِ ثَمَنِهِ، فَامْتَنَعَ تَخْصِيصُ الِاسْمِ بِالْعُرْفِ، لِأَنَّ الْعُرْفَ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ، لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ وُجُودٍ وَعَدَمٍ، فَصَارَ مَا عَمَّ مِنَ الِاسْمِ الْمُسْتَقِرِّ أَوْلَى مِنْ تَخْصِيصِهِ، بِعُرْفٍ غَيْرِ مُسْتَقِرٍّ، وَلِذَلِكَ قُلْنَا فِي الْبَيْضِ: إِنَّهُ يَحْنَثُ بِبَيْضِ الْعَصَافِيرِ لِاخْتِصَاصِهِ بِعُرْفٍ غَيْرِ مُسْتَقِرٍّ كَاللَّحْمِ وَلَا يَحْنَثُ بِبَيْضِ السَّمَكِ؛ لِاخْتِصَاصِهِ بِعُرْفٍ مُسْتَقِرٍّ كَالرُّؤُوسِ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَا خَرَجَ عَنِ الْعُرْفِ لِاسْمٍ خَاصٍّ هُوَ أَغْلَبُ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ فِي الْأَيْمَانِ مَحْمُولًا عَلَى خُصُوصِ الِاسْمِ دُونَ عُمُومٍ، كَلَحْمِ الْحِيتَانِ يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ اللَّحْمِ فِي الْعُمُومِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمْ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِياً) {النحل: 14) . لَكِنَّ اسْمَ السَّمَكِ أَخَصُّ بِهِ مِنِ اسْمِ اللَّحْمِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَحْنَثَ بِهِ إِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا، اعْتِبَارًا بِخُصُوصِ الِاسْمِ دُونَ عُمُومِهِ.
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ: يَحْنَثُ بِهِ اعْتِبَارًا بِعُمُومِ الِاسْمِ دُونَ خُصُوصِهِ، وَهَذَا الِاعْتِبَارُ فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: إنَّ الْخَاصَّ أَغْلَبُ، فَكَانَ اعْتِبَارُهُ أَوْجَبَ.
وَالثَّانِي: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ سَمَّى الْأَرْضَ بِسَاطًا وَالشَّمْسَ سِرَاجًا وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى بِسَاطٍ، فَجَلَسَ عَلَى الْأَرْضِ، وَلَا يَجْلِسُ فِي سِرَاجٍ فَجَلَسَ فِي الشَّمْسِ، وَلَا يَمَسُّ وَتَدًا، فَمَسَّ جَبَلًا، لَمْ يَحْنَثِ اعْتِبَارًا بِخُصُوصِ الِاسْمِ دُونَ عُمُومِهِ، وَكَذَلِكَ فِي لَحْمِ السَّمَكِ.
وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْقَرَوِيِّ إِذَا حَلَفَ لَا يَسْكُنُ بَيْتًا، فَسَكَنَ بَيْتَ شَعْرٍ، هَلْ هُوَ مَخْصُوصٌ بِعُرْفٍ أَوِ اسْمٍ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِعُرْفٍ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، فَجَعَلَهُ حَانِثًا بِهِ، كَالَّذِي قَدَّمْنَاهُ فِي أَكْلِ الْخُبْزِ وَلُبْسِ الثَّوْبِ. وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِاسْمٍ، لِأَنَّهُ يُسَمَّى خَيْمَةً وَفُسْطَاطًا، فَلَمْ يَجْعَلْهُ حَانِثًا بِهِ كَلَحْمِ السَّمَكِ، وَحَنِثَ الْبَدَوِيُّ بِسُكْنَى بُيُوتِ الْمَدَرِ وَجْهًا وَاحِدًا، لِأَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِالْعُرْفِ دُونَ الِاسْمِ.
فَإِذَا ثَبَتَ مَا قَرَّرْنَا مِنْ هَذَا الْأَصْلِ، وَجَبَ اعْتِبَارُهُ فِي جَمِيعِ الْأَيْمَانِ، لِيَسْلَمَ مِنَ الْإِشْكَالِ فَإِذَا حَنِثَ فِي اللَّحْمِ بِكُلِّ لَحْمٍ مِنْ مُعْتَادٍ وَنَادِرٍ، فَقَدِ اختلف