الحاوي الكبير (صفحة 7247)

بَابُ مَنْ حَلَفَ عَلَى امْرَأَتِهِ لَا تَخْرُجُ إلا بإذنه

(مسألة:)

قال الشافعي: " مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طالقٌ إِنْ خَرَجْتِ إِلَّا بِإِذْنِي أَوْ حَتَّى آذَنَ لَكِ فَهَذَا عَلَى مرةٍ واحدةٍ وَإِذَا خَرَجَتْ بِإِذْنِهِ فَقَدَ بَرَّ وَلَا يَحْنَثُ ثَانِيَةً إِلَّا أَنْ يَقُولَ كُلَّمَا خَرَجْتِ إِلَّا بِإِذْنِي فَهَذَا عَلَى كُلِّ مرةٍ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ أَلْفَاظَ يَمِينِهِ إِذَا حَلَفَ عَلَى زَوْجَتِهِ أَنْ لَا تَخْرُجَ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: مَا اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهَا تَنْعَقِدُ عَلَى مَرَّةٍ واحدة، ولا توجب التكرار، وذلك لفظتنا " إِلَى " وَ " حَتَّى ".

فَإِذَا قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ خَرَجْتِ إِلَى أَنْ آذَنَ لَكِ، أَوْ حَتَّى آذَنَ لَكِ، فَتَنْعَقِدُ يَمِينُهُ عَلَى خُرُوجِهَا مَرَّةً وَاحِدَةً بِإِذْنِهِ، فَإِنْ خَرَجَتْ مَرَّةً وَاحِدَةً بِإِذْنِهِ بَرَّ، وَانْحَلَّتْ يَمِينُهُ وَلَا يَحْنَثُ، وَإِنْ خَرَجَتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْعِلَّةِ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ فِي الْحُكْمِ. فَعَلَّلَ أصحاب أبي حنيفة بأنهما لفظتان غاية ارتفع حكمها بانقضائها.

وَعَلَّلَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ بِأَنَّهُمَا لَمَّا لَمْ يَتَكَرَّرَا فِي الْحِنْثِ لَمْ يَتَكَرَّرَا فِي الْبِرِّ.

وَتَأْثِيرُ هَذَا الِاخْتِلَافِ فِي التَّعْلِيلِ يَتَبَيَّنُ فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ، فَهَذَا حُكْمُ الْقِسْم الْأَوَّل.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: مَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا تَنْعَقِدُ عَلَى التَّكْرَارِ فِي الْبِرِّ وَالْحِنْثِ، وَهِيَ لَفْظَةٌ وَاحِدَةٌ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: كُلَّمَا دَخَلْتِ الدَّارَ بِغَيْرِ إِذْنِي، فَأَنْتِ طَالِقٌ. فَلَفْظَةُ " كُلَّمَا " مَوْضُوعَةٌ لِلتَّكْرَارِ، فَبِرُّهُ يَكُونُ بِإِذْنِهِ لَهَا فِي كُلِّ مَرَّةٍ، وَحِنْثُهُ يَكُونُ بِأَنْ لَا يَأْذَنَ لَهَا فِي كُلِّ مَرَّةٍ، وَإِنْ خَرَجَتْ مَرَّةً بِغَيْرِ إِذْنِهِ حَنِثَ، وَطُلِّقَتْ وَاحِدَةً، وَلَمْ تَسْقُطْ يَمِينُهُ، وَإِنْ خَرَجَتْ ثَالِثَةً بِغَيْرِ إِذْنِهِ حَنِثَ، وَطُلِّقَتْ ثَالِثَةً، وَسَقَطَتْ يَمِينُهُ بَعْدَهَا لِاسْتِيفَاءِ مَا مَلَكَهُ مِنْ طلاقها.

ولو أذن لها بالخروج ثلاثة مرات من ثلاثة خرجات بر، ولم تخل يَمِينُهُ، لِبَقَاءِ الطَّلَاقِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015