مِنْ غَيْرِهِمْ لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " خَيْرُ الصَّدَقَةِ عَلَى ذِي رحمٍ كاشحٍ " وَرُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَدَقَةَ امرئٍ وَذُو رحمٍ محتاجٍ " وَسَوَاءٌ كَانَ يَتَطَوَّعُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمْ أَمْ لَا.
وَقَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: إِنْ تَطَوَّعَ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمْ لَمْ يُجْزِهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَطَوَّعْ أَجْزَأهُ وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّ لِلْمُتَطَوِّعِ أَنْ يَمْتَنِعَ، وَفِي دَفْعِ ذَلِكَ إِلَيْهِمُ امتناعٌ بِهَا مِنَ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمْ وَأَمَّا الزَّوْجَاتُ فَلَا يَجُوزُ لِلزَّوْجِ أَنْ يَدْفَعَ كَفَّارَتَهُ إِلَى زَوْجَتِهِ لِوُجُوبِ نَفَقَتِهَا عَلَيْهِ؟ فَصَارَتْ غَنِيَّةً بِهِ، وَأَمَّا الزَّوْجَةُ فَيَجُوزُ أَنْ تَدْفَعَ كَفَّارَتَهَا إِلَى زَوْجِهَا وَكَذَلِكَ زَكَاتَهَا وَمَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ دَفْعِهَا إِلَيْهِ، لِأَنَّ نَفَقَتَهُ عَلَيْهَا فَصَارَ عَائِدًا إِلَيْهَا، وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ، لِأَنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهَا نَفَقَتُهُ، فَصَارَ بَاقِيًا عَلَى فَقْرِهِ فَجَرَى عَلَى حُكْمِ الْإِيجَابِ، وَإِنْفَاقُهُ عَلَيْهَا لَا يَمْنَعُ مِنْ دَفْعِهَا إِلَيْهِ كَمَا لَوْ دَفَعَهَا إِلَى أَجْنَبِيٍّ وَأَطْعَمَهُ إِيَّاهَا أَوْ وَهَبَهَا لَهُ وَقَدْ مَضَتْ هَذِهِ المسألة مستوفاة من قبل.
(مسألة:)
قال الشافعي: " وَلَا يُجْزِئُهُ إِلَّا أَنْ يُعْطِيَ حُرًّا مُسْلِمًا مُحْتَاجًا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ مَصْرِفَ الْكَفَّارَةِ فِيمَنْ يَجُوزُ أَنْ يُصَرِفَ إِلَيْهِ سَهْمُ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ مِنِ الزَّكَاةِ، وَهُوَ مَنْ جَمَعَ مِنَ الْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ ثَلَاثَةَ أَوْصَافٍ: الْحُرِّيَّةَ، وَالْإِسْلَامَ، وَأَنْ لَا يَكُونَ مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى، فَأَمَّا الْعَبْدُ فَلَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إِلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا وَلِأَنَّهُ غنيٌّ بِسَيِّدِهِ، وَكَذَلِكَ الْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ، وَالْمُعَتَقُ بَعْضُهُ؛ لِأَنَّ سَيِّدَ رِقِّهِ يَأْخُذُ مِنْهَا قَدْرَ حَقِّهِ وَهُوَ غنيٌّ، وَكَذَلِكَ الْمَكَاتَبُ، وَلَا يَجُوزُ صَرْفُ الْكَفَّارَةِ إِلَيْهِ، وَجَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَرْفَهَا إِلَيْهِ كَالزَّكَاةِ، وَهَذَا فاسدٌ، لِأَنَّ حُكْمَ الزَّكَاةِ أَوْسَعُ لِمَا يَجُوزُ مِنْ صَرْفِهَا إِلَى الْأَغْنِيَاءِ مِنَ الْمُجَاهِدِينَ، وَأَحَدِ صِنْفَيِ الْغَارِمِينَ، وَالْكَفَّارَةُ أَضْيَقُ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ صَرْفُهَا إِلَى غنيٍّ بِحَالٍ؛ وَلِأَنَّ الْمُكَاتَبَ تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الرِّقِّ.
وَأَمَّا الْكَافِرُ فَلَا يَجُوزُ دَفْعُ الْكَفَّارَةِ إِلَيْهِ، وَكَذَلِكَ الزَّكَاةُ سَوَاءٌ كَانَ ذِمِّيًّا أَوْ حَرْبِيًّا.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ أَنْ تُصْرَفَ إِلَيْهِ زَكَاةُ الْمَالِ وَيَجُوزُ أَنْ تُصْرَفَ إِلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَزَكَاةُ الْفِطْرِ، إِنْ كَانَ ذِمِّيًّا أَوْ مُعَاهِدًا؛ وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ دَفْعُهَا إِلَيْهِ إِنْ كَانَ حَرْبِيًّا.
وَدَلِيلُنَا هُوَ أَنَّهُ مَنْ لَا يَجُوزُ دَفْعُ زَكَاةِ الْمَالِ إِلَيْهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُدْفَعَ إِلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَزَكَاةُ الْفِطْرِ، كَالْحَرْبِيِّ وَلِأَنَّهُ حَقٌّ يُخْرَجُ لِلطُّهْرَةِ فَلَمْ يَجُزْ صَرْفُهُ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ كَزَكَاةِ الْمَالِ وَأَمَّا ذَوُو قُرْبَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُصْرَفَ إِلَيْهِمُ الزِّكْوَاتُ وَلَا الْكَفَّارَاتُ، وَإِنْ جَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ فِيمَا قَدَّمْنَاهُ، واستوفيناه والله أعلم.
(مسألة:)
قال الشافعي: " وَلَوْ عُلِمَ أَنَّهُ أَعْطَى غَيْرَهُمْ فَعَلَيْهِ عِنْدِي أن يعيد ".