وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَا يُطَلِّقُ بِالْحِنْثِ لِاخْتِصَاصِ يَمِينِهِ بِنِكَاحٍ مَضَى فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَقَعَ الْحِنْثُ بِهَا فِي نِكَاحٍ مستقبلٍ، لِأَنَّهُ لَا طَلَاقَ قَبْلَ نِكَاحٍ.
وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا فِي النِّكَاحِ وَهِيَ فِي عِدَّةٍ مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ، فَلَا يَحْنَثُ بِطَلَاقِهَا، لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَقَعِ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ لَوْ بَاشَرَهَا بِالطَّلَاقِ، كَذَلِكَ لَمْ تُطَلَّقْ إِذَا حَنِثَ بِالطَّلَاقِ، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا مِنْ بَعْدِ نِكَاحٍ مُسْتَجَدٍّ، وَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا بَعْدَ أَنْ كَانَ قَدْ تَزَوَّجَ لَمْ يَحْنَثْ، وَلَوْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ تَزَوَّجَ، فَإِنْ قِيلَ فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ: لَا يَحْنَثُ، فَفِي هَذَا أَوْلَى أَنْ لَا يَحْنَثَ وَإِنْ قِيلَ فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ: إِنَّهُ يَحْنَثُ فَفِي هَذَا الطَّلَاقِ الْبَائِنِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَحْنَثُ.
وَالثَّانِي: لَا يَحْنَثُ وَقَدْ مَضَى مِثْلُ هَذَا فِي كتاب الطلاق مشروحاً معللاً.
قال الشافعي: " فَإِنْ قَالَ أَنْتِ طالقٌ ثَلَاثًا إِنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْكِ وَلَمْ يُوَقِّتْ فَهُوَ عَلَى الْأَبَدِ لَا يَحْنَثُ حَتَى يَمُوتَ أَوْ تَمُوتَ هِيَ قبل أن يتزوج عليها وإن تزوج عليها من يشبهها أو لا يشبهها خرج من الحنث دخل بها أو لم يدخل بها وإن ماتت لم يرثها وإن مات ورثته في قول من يورث المبتوتة إذا وقع الطلاق في المرض (قال المزني) قد قطع في غير هذا الكتاب أنها لا ترث (قال المزني) وهو بالحق أولى لأن الله تبارك وتعالى ورثها منه بالمعنى الذي ورثه به منها فلما ارتفع ذلك المعنى فلم يرثها لم يجز أن ترثه ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَالْحِنْثُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يُخَالِفُ الْحِنْثَ فِي الَّتِي تَقَدِّمَهَا، لِأَنَّهُ جَعَلَ تَزْوِيجَهُ عَلَيْهَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى شَرْطًا فِي وُقُوعِ الْحِنْثِ، وَجَعَلَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ شَرْطًا فِي الْبِرِّ، وَإِذَا قَالَ فِي هَذِهِ
(الْمَسْأَلَةِ:)
إِنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَإِنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي لَا يَحْنَثُ إِلَّا أَنْ يَفُوتَهُ التَّزْوِيجُ عَلَيْهَا بِمَوْتِهِ أَوْ مَوْتِهَا، فلو قال: إذا لم أتزوج عليها فَأَنْتِ طَالِقٌ كَانَ عَلَى الْفَوْرِ يَحْنَثُ إِنْ أخر التزويج عليها، والفرق بين إن وإذا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، حَيْثُ جَعَلْنَا إِنْ عَلَى التراخي وإذا عَلَى الْفَوْرِ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: بِأَنَّ " إِنْ " مَوْضُوعَةٌ لِلْفِعْلِ، فَاعْتُبِرَ فِيهِ فَوَاتُ الْفِعْلِ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا، فَصَارَ كَقَوْلِهِ: إِنْ فَاتَنِي التَّزْوِيجُ عَلَيْكِ فأنت طالق، " وإذا " موضوعةٌ لِلزَّمَانِ، فَاعْتُبِرَ فِيهَا إِمْكَانُ الزَّمَانِ، فَصَارَ كَقَوْلِهِ: إِذَا مَضَى زَمَانُ التَّزْوِيجِ عَلَيْكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَهُوَ فَرْقُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا.