وَيُثْبِتُ النَّفْيَ، وَالْيَمِينٌ ثَابِتَةٌ، فَكَانَ اسْتِثْنَاؤُهَا نَفْيًا، فَلَوْ قَالَ: أَرَدْتُ أَنْ تَكُونَ مَشِيئَةُ زَيْدٍ شَرْطًا فِي إِثْبَاتِ الْيَمِينِ لَمْ يُعْمَلْ عَلَى إِرَادَتِهِ، لِأَنَّهَا تُحِيلُ حَقِيقَةَ لَفْظِهِ بِمَا لَا يَحْتَمِلُهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: إِلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ ضِدُّ قَوْلِهِ: إِنْ شَاءَ زيدٌ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعَلَّقَ عَلَى اللَّفْظِ حُكْمُ هَذِهِ، وَخَالَفَ صِفَةَ الْمَشِيئَةِ إِذَا أَرَادَ خِلَافَ إِطْلَاقِهَا لِاحْتِمَالِهِ، فَإِذَا تَقَرَّرَتْ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ، وَحُكْمُ الِاسْتِثْنَاءِ فِيهَا بِمَشِيئَةِ زَيْدٍ الرَّافِعِ لِعَقْدِ الْيَمِينِ فَلَا يَخْلُو حَالُ الْحَالِفِ مِنْ أَنْ يُوجَدَ فِيهِ الْبِرُّ أَوْ لَا يُوجَدَ، فَإِنْ كَانَ الْبِرُّ مِنْهُ مَوْجُودًا بِدُخُولِ الدَّارِ فِي يَوْمِهِ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ وُجِدَتْ مَشِيئَةُ زَيْدٍ أَوْ لَمْ تُوجَدْ، لَكِنْ يَكُونُ دُخُولُهُ بَعْدَ مَشِيئَةِ زَيْدٍ دُخُولًا بَعْدَ ارْتِفَاعِ الْيَمِينِ، فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ بِرٌّ وَلَا حِنْثٌ، وَدُخُولُهُ مَعَ عَدَمِ الْمَشِيئَةِ دُخُولًا يُوجِبُ الْبِرَّ فِي يَمِينِهِ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلِ الْحَالِفُ الدَّارَ فِي يَوْمِهِ فَقَدَ عَدِمَ الْفِعْلَ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ الْبِرُّ، فَتُرَاعَى حِينَئِذٍ مَشِيئَةُ زَيْدٍ، هَلِ ارْتَفَعَتِ الْيَمِينُ بِمَشِيئَتِهِ، أَوْ كَانَتْ عَلَى انْعِقَادِهَا لِعَدَمِ مَشِيئَتِهِ، وَلَا يَخْلُو حَالُ زَيْدٍ فِيهَا مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ قَدْ شَاءَ، فَالْيَمِينُ قَدِ ارْتَفَعَتْ بِمَشِيئَتِهِ، فَلَمْ يَحْنَثِ الْحَالِفُ بِتَرْكِ الدُّخُولِ، لِارْتِفَاعِ الْيَمِينِ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ زَيْدًا لَمْ يَشَأْ فَالْيَمِينُ مُنْعَقِدَةٌ لِعَدَمِ الشَّرْطِ فِي رَفْعِهَا، وَالدُّخُولُ شَرْطٌ فِي الْبِرِّ فَيَكُونُ الحالف حانثاً، بترك الدخول لإخلافه بِشَرْطِ الْبِرِّ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ تَخْفَى مَشِيئَةُ زَيْدٍ، فَلَمْ يَعْلَمْ هَلْ شَاءَ أَوْ لَمْ يَشَأْ، فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَنَّ الْحَالِفَ يَحْنَثُ بِشَرْطِ الدُّخُولِ، فَجَعَلَ الشك في المشيئة موجباً لسقوطها، وجعل الْيَمِينُ عَلَى انْعِقَادِهَا فَأَوْقَعَ الْحِنْثَ فِيهَا، وَنَقَلَ الرَّبِيعُ فِي كِتَابِ الْأُمِّ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي مَسْأَلَةٍ أُخْرَى ضِدَّ هَذَا الْجَوَابِ مَعَ وُجُوبِ اشْتِرَاكِهِمَا فِيهِ، وَهُوَ إِذَا قَالَ الحَالِفُ: وَاللَّهِ لَا دَخَلْتُ هَذِهِ الدَّارَ فِي يَوْمِي هَذَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ فَدَخَلَهَا فِي يَوْمِهِ، وَلَمْ يَعْلَمْ مَشِيئَةَ زَيْدٍ لَمْ يَحْنَثْ وَهُمَا فِي حُكْمِ الْمَشِيئَةِ سَوَاءٌ، وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي الصُّورَةِ، لِأَنَّ الْيَمِينَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مَعْقُودَةٌ عَلَى دُخُولِ الدَّارِ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ مَعْقُودَةٌ عَلَى تَرْكِ دُخُولِهَا، وَمَشِيئَةُ زَيْدٍ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ جَمِيعًا رَافِعَةٌ لِعَقْدِ الْيَمِينِ، وَقَدْ جَعَلَ الشَّكَّ فِي مَشِيئَةِ زَيْدٍ رَافِعًا لِلْيَمِينِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ، وَلَمْ يَجْعَلِ الشَّكَّ فِيهَا رَافِعًا لِلْيَمِينِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى. وَلَوْلَا أَنَّ الرَّبِيعَ عَلَّلَ جَوَابَ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ زَيْدٌ قَدْ شَاءَ فَلَا يَحْنَثُ بِالشَّكِّ، فَجَازَ أَنْ يُنْسَبَ الرَّبِيعُ إِلَى الْوَهْمِ، أَوْ يُنْسَبَ الْكَاتِبُ إِلَى الْغَلَطِ، فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي اخْتِلَافِ هَذَيْنِ الْجَوَابَيْنِ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى اسْتِوَاءِ الْبِرِّ وَالْحِنْثِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ. عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ خَرَّجُوا جَوَابَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ إِلَى الْأُخْرَى وَحَمَلُوهُمَا عَلَى قَوْلَيْنِ: