الحاوي الكبير (صفحة 7137)

باب الاستثناء في الأيمان

(مسألة:)

قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " وَمَنْ حَلَفَ بِأَيِّ يمينٍ كَانَتْ ثُمَّ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مَوْصُولًا بِكَلَامِهِ فَقَدِ اسْتَثْنَى ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: الِاسْتِثْنَاءُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ فِي الْأَيْمَانِ والنذور يمنع من انعقادها، وتسقط حُكْمُهَا فِي الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ، سَوَاءٌ كَانَتِ الْيَمِينُ بِاللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ.

وَقَالَ مَالِكٌ: يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْيَمِينِ بِاللَّهِ، وَلَا يَصِحُّ فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَالنُّذُورِ، وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ مَعَهُ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ، وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ رِوَايَةُ أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَقَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَقَدِ اسْتَثْنَاهُ ".

وَرَوَى طَاوُسٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَقَالَ " إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَحْنَثْ "، فَكَانَ ذَلِكَ عَلَى عُمُومِهِ فِي كُلِّ يَمِينٍ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ تَعْلِيقُ جَمِيعِ الْأَيْمَانِ مِنْ عِتْقٍ، وَطَلَاقٍ، وَغَيْرِهِ بِالشُّرُوطِ وَالصِّفَاتِ، كَانَ تَعْلِيقُهَا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْلَى، وَمَشِيئَةُ اللَّهِ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ فِيهَا، فَلَمْ تَنْعَقِدْ، كَمَا لَوْ قَالَ: وَاللَّهِ لَا دَخَلْتُ الدَّارَ إِنْ شَاءَ زَيْدٌ، أَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شَاءَ عَمْرٌو، أَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ إِنْ شَاءَ بَكْرٌ، وَلَمْ تُعْلَمْ مَشِيئَتُهُمْ حَتَّى مَاتُوا سَقَطَتْ أَحْكَامُ هَذِهِ كُلُّهَا لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِهَا.

فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَشَاءُ الْعِتْقَ؟ .

قِيلَ: قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَشَاءَهُ فِي الْحَالِ، وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَشَاءَهُ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَشَاءَ الطَّلَاقَ؟ لِأَنَّهُ قَدْ أَبَاحَهُ، وَالْمُبَاحُ دَاخِلٌ فِي مَشِيئَتِهِ.

(مَسْأَلَةٌ:)

قال الشافعي: " وَالْوَصْلُ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ نَسَقًا وَإِنْ كَانَتْ بَيْنَهُ سكتةٌ كَسَكْتَةِ الرَّجُلِ لِلتَّذَكُّرِ أَوِ الْعِيِّ أَوِ التَّنَفُّسِ أَوِ انْقِطَاعِ الصَّوْتِ فَهُوَ استثناءٌ وَالْقَطْعُ أَنْ يَأْخُذَ فِي كلامٍ لَيْسَ مِنَ الْيَمِينِ مِنْ أمرٍ أَوْ نهيٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ يَسْكُتَ السُّكُوتَ الَّذِي يُبَيِّنُ أَنَّهُ قَطَعَ ".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015