وَقَالَ أبو حنيفة: الْأَوْقَاتُ الثَّلَاثَةُ الْمَنْهِيُّ عَنِ الصَّلَاةِ فِيهَا لِأَجْلِ الْوَقْتِ لَا يَجُوزُ فِيهَا صَلَاةُ فَرْضٍ، وَلَا نَفْلٍ إِلَّا عَصْرَ يَوْمِهِ فَأَمَّا صُبْحُ يَوْمِهِ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا تَبْطُلُ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ
وَأَمَّا الْوَقْتَانِ اللَّذَانِ نُهِيَ عَنِ الصَّلَاةِ فِيهِمَا لِأَجْلِ الْفِعْلِ فَلَا يَجُوزُ فِيهِمَا فِعْلُ النَّوَافِلِ كُلِّهَا سَوَاءٌ كَانَ لَهَا أَسْبَابٌ، أَمْ لَا، وَتَجُوزُ فِيهِمَا الْفَرِيضَةُ اسْتِدْلَالًا بِعُمُومِ النَّهْيِ فِي الْأَخْبَارِ الْأَرْبَعَةِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ الصُّنَابِحِيِّ، وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ
قَالَ: وَلِأَنَّ كُلَّ وَقْتٍ مُنِعَ مِنْ نَوَافِلِ عِبَادَةٍ مُنِعَ مِنْ فَرَائِضِهَا قِيَاسًا عَلَى يَوْمِ الْفِطْرِ، وَيَوْمِ النَّحْرِ لَمَّا لَمْ يَجُزْ فِيهِمَا صَوْمُ التَّطَوُّعِ لَمْ يَجُزْ فِيهِمَا صَوْمُ الْفَرْضِ
وَالدَّلَالَةُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَكَرْنَاهُ رِوَايَةُ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ، أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا فَذَلِكَ وَقْتُهَا "، وَكَانَ هَذَا عَلَى عُمُومِهِ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ، فَإِنْ قَابَلُوا هَذَا الْخَبَرَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا صَلَاةَ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ "، ولا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، وَقَالُوا: خَبَرُكُمْ عَامٌّ فِي الْأَوْقَاتِ، وَخَاصٌّ فِي الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ، وَخَبَرُنَا عَامٌّ فِي الصَّلَوَاتِ، خَاصٌّ فِي الْأَوْقَاتِ فَتَسَاوَى الْخَبَرَانِ
قُلْنَا: خَبَرُنَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ عُمُومَنَا لَمْ يَدْخُلْهُ التَّخْصِيصُ، وَعُمُومُ خَبَرِكُمْ دَخَلَهُ التَّخْصِيصُ، لِأَنَّكُمْ تَقُولُونَ إِلَّا عَصْرَ يَوْمِهِ، وَالْفَرَائِضُ كُلُّهَا فِي الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا لِأَجْلِ الْفِعْلِ، ثُمَّ مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى صِحَّةِ مَا ذكرناه ما روي عن قيس بن قهد قَالَ: صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الصُّبْحَ، فَلَمَّا فَرَغْنَا قُمْتُ وَصَلَّيْتُ رَكْعَتَيِ الصُّبْحِ، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَا هَاتَانِ الرَّكْعَتَانِ يَا قَيْسُ؟ فَقُلْتُ: رَكْعَتَيِ الصُّبْحِ فَلَمْ يُنْكِرْهُ "
وَرَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ قَالَتْ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَعْدَ الْعَصْرِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَقُلْتُ مَا هَاتَانِ الرَّكْعَتَانِ؟ فَقَالَ: " رَكْعَتَانِ كُنْتُ أُصَلِّيهِمَا بَعْدَ الظُّهْرِ فشغلني عنهما الوفد من تَمِيمٍ فَنَسِيتُهُمَا " وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ رَكْعَةً مِنَ الصُّبْحِ فَطَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ "
وَهَذَا نَصٌّ بَطَلَ بِهِ قَوْلُ أبي حنيفة، وَلِأَنَّهَا صَلَاةٌ لها سبب فحاز فِعْلُهَا فِي الْوَقْتِ الْمَنْهِيِّ عَنِ الصَّلَاةِ فِيهِ
أَصْلُهُ عَصْرُ يَوْمِهِ
فَأَمَّا اسْتِدْلَالُ أبي حنيفة بِظَاهِرِ الْأَخْبَارِ وَعُمُومِهَا فَفِيهَا جَوَابَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى النَّوَافِلِ الَّتِي لَا أَسْبَابَ لَهَا بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَاهُ