قال الشافعي: " وَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ مُتَنَكِّبَ الْقَوْسِ وَالْقَرْنِ إِلَّا أَنْ يَتَحَرَّكَا عَلَيْهِ حَرَكَةً تَشْغَلُهُ فَأَكْرَهُهُ وَتُجْزِئُهُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: الصَّلَاةُ فِي السِّلَاحِ جَائِزَةٌ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإذاَ كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمْ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ) {النساء: 102) . وَرَوَى سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أُصَلِّي، وَعَلَيَّ الْقَوْسُ وَالْقَرْنُ، فَقَالَ: " اطْرَحِ الْقَرْنَ وَصَلِّ بِالْقَوْسِ ".
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: الْقَوْسُ عَلَى الْمُصَلِّي كَالرِّدَاءِ.
فَأَبَاحَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الصَّلَاةَ بِالْقَوْسِ، وَنَهَى عَنِ الْقَرْنِ، وَهُوَ الْجُعْبَةُ الَّتِي تَجْمَعُ السِّهَامَ، فَإِنْ كَانَتْ بِغِطَاءٍ، فَهِيَ جَعْبَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ مَكْشُوفَةً فَهِيَ قَرْنٌ، وَفِي نَهْيِهِ عَنِ الصَّلَاةِ فِيهِمَا تَأْوِيلَانِ:
أَحَدُهُمَا: إِنَّهُ نَهْيُ تَحْرِيمٍ إِذَا كَانَ رِيشُ السِّهَامِ نَجِسًا، لِأَنَّهُ فِي الْأَغْلَبِ يُتَّخَذُ مِنْ رِيشِ النَّسْرِ، وَهُوَ غَيْرُ مَأْكُولٍ، وَلَوْ كَانَ الرِّيشُ طَاهِرًا لَمْ يَتَوَجَّهْ إِلَيْهِ نَهْيٌ.
وَالثَّانِي: إِنَّهُ نَهْيُ كَرَاهَةٍ إِذَا كَانَ طَاهِرًا، لِأَنَّهُ يَتَخَشْخَشُهُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ بِاصْطِكَاكِ السِّهَامِ، فَيَقْطَعُهُ عَنِ الْخُشُوعِ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنْ لَمْ يَتَخَشْخَشْ لَمْ يَتَوَجَّهْ إِلَيْهِ نَهْيٌ، فَصَارَ لِحَمْلِهِ فِي صِلَاتِهِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مُحَرَّمًا وَهُوَ إِذَا كَانَ نَجِسًا.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَكْرُوهًا، وَهُوَ إِذَا كَانَ طَاهِرًا يَقْطَعُ عَنِ الْخُشُوعِ فِيهَا.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا، وَهُوَ مَا خَلَا مِنْ هَذَيْنِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.